يعرض كتاب «صلاح الدين: السلطان الذي قهر الصليبيين وشيد إمبراطورية إسلامية»، لمسيرة القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي، الذي نشأ من أصول كردية.. ثم وَفَد إلى مصر ليؤسس الدولة الأيوبية.. واختاره القدر وأحداث عصره - في القرن الثاني عشر للميلاد-، كي يضطلع بمهمة أقرب إلى الرسالة التاريخية، حيث برز في دوره في صد وقهر المد الكولونيالي الذي دفعت به قارة أوروبا تحت تأثير إعلام التعصب العِرقي، مع استغلال الشعارات الدينية، وهكذا دخل «صلاح الدين» الأيوبي سجل التاريخ: قاهراً لمن استغلوا شعار الصليب ومشيّداً لدولة عظمى مذكورة في سجل الإسلام على نحو ما يذهب إليه عنوان الكتاب الذي نعايشه فيما يلي من سطور.

ويعزز من قيمة هذه المعايشة -هذه المطالعة- للفصول السبعة عشر التي يحتويها كتابنا- حقيقة الواقع الذي تعيشه حالياً جموع العرب والمسلمين في غمار ما جرى ويجري في ربوع فلسطين وعلى ساحة القدس الشريف. وكأنما تأتي فصول الكتاب بمثابة تَذكرة لكل الحادبين على الحقيقة التاريخية الناصعة بشأن سيرة القائد العظيم المسلم الذي لم تسلم سيرته، مع الهزيع الأخير من العام الماضي، من محاولات تعسة تهدف إلى النيْل من تاريخ ومآثر البطل الذي استرد الأرض والكرامة لصالح الإسلام وعزة المسلمين.

وعلينا أن نؤكد بكل موضوعية أن مؤلف هذا الكتاب ليس باحثاً مسلماً ولا كاتباً يعربياً: المؤلف هو المؤرخ البريطاني ﭽون مان، الذي اشتهر باهتمامه المتخصص بتاريخ وقضايا العالم الإسلامي ومناطق الشرق الأقصى على نحو ما يتجلى في الدراسات الشهيرة التي سبق له إصدارها، ومنها مثلاً كتابه عن «سور الصين العظيم» ودراسته الحافلة بعنوان «إمبراطورية المغول».

تصحب فصول الكتاب القارئ في رحلة تدور بداهة حول محوريْ التاريخ والجغرافيا، وطبعاً من منظور مراحل حياة «صلاح الدين»: ناشئاً في المجتمع الكردي.. وصبياً في ربوع دمشق، ومنها إلى قاعدة القوة التي أمكنه تشييدها في مصر- القاهرة.

ويستهل المؤلف مقولات كتابه بتأكيد أن صلاح الدين «صلادين» كما ينطقونه في الغرب لا يزال يشكل اسم البطل التاريخي، يستوي في ذلك - كما يضيف الكتاب- أصول معجبيه: أكراد.. عرب.. إيرانيون.. أتراك.. مغاربة من الشمال العربي الأفريقي المسلم.. بل ويضاف إليهم - كما يؤكد الكتاب أيضاً- أوروبيون من جنسيات شتى.

ويشرح المؤلف أنه جاء صلاح الدين إلى مصر وقت أفول شمس دولة الفاطميين الذين حكموا في الأصقاع المصرية منذ عام 973 للميلاد...

لم يفد صلاح الدين إلى مصر سائحاً بل جاءها مسيّساً ومفعماً بالطموح، ومتطلعاً ثَمَّ إلى ما يطلق عليه مؤلف كتابنا الوصف التالي:

بناء قاعدة للقوة (أو السلطة). وشاءت الأقدار كما يشهد بذلك تاريخ منطقة المشرق العربي-، أن تجتاحها فلول الفرسان القادمين من أوروبا، والمدفوعين بحماس غريب يجمع ما بين أطماع استعمار المنطقة واستغلال إمكاناتها، وبين التحريض من جانب باباوات الكاثوليك في تلك الفترة.. فضلاً عن أفكار وخيالات يختلط فيها الواقع بالأسطورة وتتعلق في مجموعها بأوهام روجها واستغلها رجال دين متعصبون وهدفهم الاستعمار، وقد كانت مرفوعة تحت شعارات من قبيل تحرير البقاع المسيحية المقدسة.. وما إلى ذلك.

وربما يتوقف قارئ هذا الكتاب ملياً عند الفصل الحادي عشر بالذات الذي اختار له المؤلف عنوان : استرداد المدينة المقدسة.

ويبين المؤلف أنه عاش يوسف صلاح الدين الأيوبي نحواً من 55 عاماً.. ورحل عن الحياة يوم 3 مارس من عام 1193 للميلاد.. ويصوّر مؤلف الكتاب مشهد هذه النهاية موضحاً كيف أن اسم الرجل وسلوكياته ومناقبه ظلت مضرباً للأمثال في أصقاع من أوروبا ذاتها، لدرجة أنه ظل الإيطاليون يتناقلون مشهد وفاته دون أن يحمل في ثوبه درهماً أو درهمين (ص 259). ومع ذلك -يضيف المؤلف- «ظلت مآثر السلطان قاهر الصليبيين بعيدة عن الذاكرة الجمعية، إلى أن جرت استعادتها مع شروق شمس العصر الحديث وبالتحديد، مع أواخر القرن التاسع عشر وبواكير القرن العشرين».