هو واحد من رموز الأساطير في تراث الإغريق، اسمه «أوديسيوس» ويعرفه التراث الروماني المكتوب باللاتينية باسم مكافئ آخر هو: «يوليسيس».
أوديسيوس كان ملكاً على «إيثاكا» في بلاد اليونان.. حارب في معارك طروادة، الشهيرة على نحو ما روته أساطير «الإلياذة»، ولكنه خلال العودة إلى بلاده تاه في ساحات البحار.. فأصبح رمزاً لمحاولات التماس المأوى أو البحث عن مرفأ يقيه مغبة التيه ومصائر الضياع.
وهذا هو المعنى الذي يجسده مصطلح «الأوديسة» في زماننا المعاصر.
هو المعنى الذي اختاره مراسل «الغارديان» البريطانية، الكاتب الصحفي الأميركي باتريك كنغزلي، من أجل أحدث دراسة أصدرها تحت عنوان: «الأوديسة الجديدة.. قصة أزمة اللاجئين في أوروبا».
ومنذ بداية الصفحات، لا يفوت القارئ اللماح أن يلحظ الأسلوب الذي اتبعه المؤلف في إعداد وطرح مادة هذا الكتاب: إنه أسلوب الإعداد الصحفي الذي لا يُغرق في دوامات التنظير أو التبشير، ولكنه يعمد إلى بناء الحقائق على أساس التجربة الحقيقية والملاحظة المباشرة والمعايشة الشخصية في الميدان. وهكذا أمضى ردحاً من الزمن في غمار الاستعداد لإعداد الكتاب، بين مواقع ومخيمات ومعسكرات اللاجئين في مناطق شتى من السواحل الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، ومن مواقع عديدة في الشمال الأفريقي- العربي في معظمه، إضافة إلى بقاع كثيرة ومتنوعة من مناطق المقصد في إيطاليا واليونان وفرنسا وغيرها.
أما حجم موجات اللجوء فيصل إلى مواقع شتى، ما بين مواقع لسبوس أوكوس أو لمبدوسا، حاملة -كما يؤكد الكتاب- ما يزيد على 185 ألف لاجئ في عام 2016 على سبيل المثال.
ويقول المؤلف: «إن الأزمة (الحقيقية) لا تتمثل في مجرد وصول اللاجئين، ولكنها تتجسد في سلوكيات إدارات الحدود في أوروبا، وهي سلوكيات مجردة من رحمة القلب ومن رشد العقل في آن معاً. بل إن هؤلاء اللاجئين سبق لهم وأن تحملوا غرامات ورشاوى وإتاوات»، يسجل المؤلف أنهم دفعوها في جيوب المهّربين وأحياناً لحساب عناصر من موظفي الجمارك أو الحدود في ليبيا أو في مصر.
وحتى في حالة وصولهم سالمين إلى سواحل أوروبا.. فإذا بهم يُدفعون دفعاً إلى أقطار لا ترحِّب بهم. ويورد المؤلف أمثلته، منها: مقدونيا أو صربيا، فكلتاهما لا تتمتع بعضوية الاتحاد الأوروبي، ومن ثم كان التوجه إلى هنغاريا (المجر)، حيث كان اللاجئون يواجَهون بموقف غير إنساني من العداء على يد حكومة يمينية عنصرية وبعيدة عن أي مبادرة إنسانية من شأنها مد يد العون إلى آلاف البشر من طالبي اللجوء، حيث إن معظمهم -يوضح المؤلف- من المسلمين.
بيد أن كتابنا لا يلبث يتوقف ملياً عند الجانب الآخر من مأساة أوديسة اللجوء التي يدور حولها بحثه.. هذا الجانب تكاد تلخصه العبارة التالية باللغة الألمانية: «وير شافن داس». ومعناها: «نحن سنتدبّر الأمر». وهي عبارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. وأطلقتها معلنة الاستعداد لقبول تلك الأعداد المتضخمة من اللاجئين الذين لم يلاقوا في الأقطار الأوروبية الأخرى سوى موقف الرفض والاستبعاد.
ويضيف المؤلف: في السابق، كنت أسأل المهاجرين -اللاجئين السوريين- عن المحطة الأخيرة التي يقصدونها. وكنت أتلقى طائفة متباينة من الإجابات: هولندا، أو.. ربما السويد أو النمسا.. أو ربما بريطانيا. لكن تغيرت الردود حالياً، حتى بات ما يكاد الجميع يصوغون إجاباتهم في رد واحد هو:
• كل ما نريده هو أن نصل إلى.. ألمانيا.