منذ 110 سنوات وأكثر، بالتحديد في عام 1907، أصدر رئيس وزراء بريطانيا كامبل بانرمان (1836- 1908)، وكان عميد الإمبريالية في ذلك الوقت، تقريراً يقول فيه بالتالي: على السواحل الجنوبية والشرقية للبحر الأبيض المتوسط، وعلى طول البحر الأحمر يعيش شعب واحد.. ويملك هذا الشعب من الإمكانات والثروات والموارد فوق الأرض وتحت الأرض، ما يؤهله لممارسة التأثير الفعال على خارطة العالم بأسره.
ويمضي رئيس الوزراء الإنجليزي ليطرح اقتراحاً يشير فيه إلى أهمية «زرع كيان غريب على سكان تلك المنطقة وصديق للدول صاحبة المصلحة...»، من دون أن ينسى هذا الاستعماريّ البريطانيّ العتيد أن يقترح زرع أو فرض هذا الكيان المطلوب.. على مقربة من قناة السويس.
بعدها، لم تكد تمضي عشرة أعوام، إلا ووجد اقتراح بانرمان مَن يترجمه إلى رسالة «شيطانية» : «وعد بلفور» الصادر عن وزير خارجية الاستعمار الإنجليزي أيضاً، وهو اللورد «آرثر بلفور» (1848- 1930) وفيه، كما أصبح معروفاً، اعتراف بما وصفه «بلفور» إياه بأنه «وطن قومي لليهود».
هكذا وُضعت أولى البذور الشريرة في قلب الوطن العربي في فلسطين، ثم تعرضت إلى جراحة سياسية أخرى تم إجراؤها بتاريخ 1947 تحت عنوان قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين.
والأكيد، أنه مرت مياه وأمواج بغير حصر في ساحات البحر الأبيض المتوسط، وعبر الفترة الفاصلة بين تقرير «بانرمان» (1907) ورسالة (وعد) بلفور (1917).. ثم قرار التقسيم (1947)، وصولاً إلى التاريخ الراهن (2017). وعبر هذه الفترة الزمنية «اﻠ 110 أعوام»، عاث الاستعمار الاستيطاني الصهيوني فساداً في ربوع أرض فلسطين التي لم تكّف يوماً عن المقاومة. وشهد صيف 2017، صدور كتاب مهم لريتشارد فولك مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بفلسطين»ودامت ولايته في هذا المنصب قرابة ست سنوات»، وهو أستاذ القانون الدولي في جامعة «برنستون»، بعنوان « الأفق الفلسطيني: نحو سلام عادل».
ومن الواضح بداهة أن المفكر الأميركي يصدر عن رأي وقناعة بأن القضية الفلسطينية ما برحت تحتاج إلى سلام عادل..وتتوقف طروحات الكتاب ملياً عند موقف الكيان الإسرائيلي وقياداته من تجاهل أو رفض الاعتراف بالأعراف والقوانين الدولية، وهو لا يزال يدفع إسرائيل ـ كما يؤكد المؤلف، إلى رفض الاعتراف بكافة حقوق الشعب الفلسطيني، برغم ما أصبح العالم يضمه حالياً من حركات ومنظمات ودعوات منها ما هو كائن داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه، ومنها ما هو قائم في مجتمعات أوروبا وأميركا (المؤسسات الجامعية والأكاديمية بالذات)، وكلها تدعو إلى استخدام أسلحة سياسية ودعوية شتى في مواجهة التجاهل، بل الإنكار الإسرائيلي للحقوق الفلسطينية المشروعة.
ويحيل المؤلف إلى أهمية اللجوء إلى محافل دولية ما زال لها وزنها في التعامل مع مثل هذه القضايا المحورية، ومن تلك المحافل :محكمة العدل الدولية، المحكمة الجنائية الدولية
ولعل أهم ما يميّز الكتاب، الروح الإيجابية التي تسود منطق المؤلف بكل خبرته ومكانته في مضمار القانون الدولي، حيث يرفض القول في هذا الصدد بأن المأساة الفلسطينية أصبحت قضية خاسرة، وهو ما يدفعه إلى أن ينهض عبر سطور هذا الكتاب إلى مناقشة واقتراح المسالك الإيجابية التي يمكن أن توصّل إلى حل استعادة الحقوق الفلسطينية، وهي مسالك القانون الدولي على وجه التحديد.