في عام 1852 تلقى القراء في أميركا رواية جديدة أصدرتها هارييت بيتشر ستو (1811-1896)، حملت عنوان «كوخ العم توم» الذي صار بعد ذلك على كل لسان في أرجاء الولايات المتحدة.

ومن بعدها في تاريخ الإبداع الأدبي، ذاك العمل تناول مأساة السود في أميركا: عذاباتهم من جراء وضعية العبودية، التي كانوا يرسفون في أغلالها، منذ أن جاؤوا بهم أو بأسلافهم من ربوع القارة الأفريقية على متن سفن الشقاء، عبر المحيط الأطلسي، ليضعوهم فوق أرض العالم الأميركاني، المستجد منذ أيام القرن السادس أو السابع عشر.

ومن بعدها تفاقمت حياة التمييز العنصري على أساس الأصل والعِرْق واللون، حسب الكلاسيكيات الأميركية، إلى حد رفع لافتات على محال العامة، تحمل عبارات المرفوضة مثل: (ممنوع الدخول على السود.. والكلاب).

وفيما ظلت الأوساط الثقافية تحتفل بما صدر من إبداعات أدبية في باب الشعر أو الرواية عن السود (الأفرو أميركان)، كما أصبحوا يسمون في الولايات المتحدة من باب اللياقة السياسية.

إلا أن ما يسترعي الاهتمام، هو تسليط الضوء على شخصية مستجدة فوق مسرح حياة السود في أميركا على نحو ما ورد في كتاب «جان إرنست ماتزلغر: الاختراع الدائم»، من تأليف بينغي بليت، التي عكفت على تدارس سيرة جان ماتزلغر، لتضعه في المصفوفة التي تتناول حياته ومَن على شاكلته من ملوني أميركا بأسلوب الدرس ومن ثم التذكير والاعتزاز.

نحن أمام قصة حياة لمخترع أفاد الناس، وبدأت هذه الحكاية مع مولد جان ماتزلغر، في كوخ للعبيد في سورينام بأميركا الجنوبية، مع بدايات النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وحينما بلغ ألـ 19، قرر جان شدّ الرحال إلى شمال الولايات المتحدة، فور أن وضعت الحرب الأهلية الأميركية أوزارها، وكان طبيعياً، وفقاً للكتاب، أن تواجه الفتى الوافد حياة الرفض من جانب المجتمع الجديد.

وما إن انقضت على حياة جان الجديدة 10 سنوات، حتى بدأ اسمه في الصعود، بعد أن أصبح مخترعاً، ولأنه أحدث ثورة في صناعة وإنتاج، الأحذية التي يحتاج إليها الناس، حيث استطاع التوصل إلى تصميم وتركيب، ومن ثم تشغيل أول ماكينة حديثة، لصنع الحذاء، كما يعرفه الناس في العصر الحديث.

كان الفتى موهوباً بالفطرة بالوعي الميكانيكي، بمعنى القدرة على تصميم وتطوير الآلات. ولا عجب فوالده من أصل هولندي، ويعمل بفن الهندسة، فيما كانت الأم من فقراء سورينام داكني البشرة. وحين استقر الفتى بعد نزوحه في ولاية فيلادلفيا، بدأ بالتركيز على تعلم وإجادة الإنجليزية، متحملاً نظرات القوم المحفوفة بالشك المشوب بالاستهانة والازدراء، بسبب بشرته الداكنة.

ومعيشته الأقرب للفقر والحرمان. بعدها لم يجد بديلاً عن الالتحاق بمحلات صنع الأحذية العتيقة بالأسلوب اليدوي أو البدائي، وكان الصناع الحرفيون يجدون بذلك مشقة لا تخفى ويستهلكون زمناً طويلاً، هنالك أمعن جان تفكيره وعكف على تجريب التحوّل إلى تصميم وإنتاج ماكينة توفر الوقت والجهد، وتنقل الصناعة، من الإطار اليدوي إلى عالم الإنتاج الآلي.

وتوضح المؤلفة أن الماكينة الجديدة تم تسجيل براءة اختراعها، ومن ثم تشغيلها في 1883، وبعدها تجلت قدراتها ومكانتها في السوق الأميركية، حين استطاعت إنتاج 700 زوج من الأحذية في اليوم الواحد.

وبحلول 1889 تشكلت ملامح أول شركة عصرية لصناعة وإنتاج الأحذية، بواسطة الماكينة المستجدة على السوق الأميركية، وأثبت جان قدرته على تطوير الاختراع الجديد، مع التوسع في مواقع الإنتاج، ما أدى إلى تشغيل أعداد كبيرة من العمال الذين انخرطوا في التصنيع.

 

الكتاب: جان إرنست ماتزلغر

المؤلف: بيغي بليت

الناشر: شبكات A & E

الصفحات:

297 صفحة

القطع: المتوسط