بينما كانت طائرة لإحدى شركة الطيران الأميركية في رحلة داخلية لها، إذا بقائدها يصدر أوامره بإنزال أحد الركاب. لماذا؟ لأن وجوده كان يضايق جاره في مقعد الطائرة، ولماذا أيضاً وكيف؟ لأن الراكب «المطرود» كان يتكلم اللغة العربية، مما سبب كل هذه المضايقات. خاصة وقد ثبت أن الناطق بالعربية كان لاجئاً إلى أميركا من بلد يتكلم العربية واسمه العراق!

هذه الحادثة نقلها منذ فترة قريبة الإعلام الأميركي والدولي أيضاً. وسواء قوبل هذا التصرف بحق الراكب الضحية ولغتِه العربية بما يستحقه مثلُ هذا الأمر أم لا، إلا أن مثل هذه الأحداث جاءت لتنبّه إلى ما يمكن أن يصادف المهاجرين واللاجئين إلى الأصقاع الأميركية من مشاكل وعقبات.

تحيّز

وتلك هي القضية التي يعالجها الكاتب علي نوراني في أحدث كتبه، الذي أصدره تحت عنوان رئيسي يمكن ترجمته على النحو التالي: «أحوال الحي» أو «ظروف الجيرة»، ثم يأتي العنوان الفرعي للكتاب ليلقي بعضاً من ضوء التفسير على نحو يقول: «كيف تتغلب المجتمعات المحلية على ظواهر التحيز وتواجه تحدي الهجرة إلى أميركا».

اختار المؤلف أن يستكشف الأحوال السائدة في دواخل الأرض الأميركية؛ بحثاً عن الأفراد الذين يتمتعون بذهنية مستنيرة وعقليات منفتحة من أجل المشاركة في الحوارات السياسية الصعبة التي تدور حالياً بشأن ظاهرة الهجرة والمهاجرين: ما لها وما عليها. ويزيد على ذلك إجراء حوارات مع أفراد ينتمون إلى طرفَي القضية ما بين الليبراليين المتفتحين إلى المتحفظين على مسألة تقبّل المهاجرين.

من هنا اتسمت طروحات الكتاب بميزة التعدد من حيث شخصيات الأفراد الذين حاورهم المؤلف: منهم مثلاً رئيس مدينة صغيرة، ومنهم أفراد من الناشطين في ميدان السياسة، ومنهم أيضاً رجال دين يتصدّرون مسيرة أتباعهم.

نموذج إيجابي

في إطار هذا كله اكتشف مؤلف هذا الكتاب مدى التباين في المواقف والمعاملات والسلوكيات والمنطلقات حسب اختلاف الأشخاص والعقليات والتوجهات، والولايات أيضاً، وهو بذلك يوضح حقيقة اختلاف المواقف إزاء المهاجرين والوافدين من ولاية لأخرى.

وفي غمار هذه الظواهر وأنماط السلوك، يحرص علي نوراني، وهو في الأصل من عائلة باكستانية هاجرت إلى الولايات المتحدة، على تقديم نموذج إيجابي يختاره من سلك الشرطة الأميركية. ويحمل هذا النموذج اسم السيدة «تيوانا» ضابطة الشرطة المنتمية إلى أصول من منطقة البنجاب في شبه القارة الهندية. والمؤلف يصف مواقفها الإيجابية إزاء أحياء المهاجرين، ويعلق على هذه «الحالة» في سطور تقول بما يلي: «... هكذا وجد المهاجرون فرداً يمكن أن يتواصل معهم، ويمكنهم أن يفضوا إليه (إليها) بما يساورهم من أفكار وهواجس.. بل إن دور الضابطة «تيوانا» تجاوز هذه الخدمات إلى حد أن أصبحت تصغي إلى ما يعانيه المهاجرون من شكاوى ومشكلات».

ثم يواصل المؤلف تحليله لهذه الجوانب «لكن المسألة تتجاوز حتى حكاية الخشية من فقدان الوظائف وضياع الأرزاق.. إنها تتصل بما يمكن أن نطلق عليه التوصيف التالي: القلق الثقافي، ومعناه أن أهل الولاية.. أو سكان الحي أو أفراد الجيرة.. لا يخشون فقط من ضياع وظائفهم.. بل إنهم يخشون، بالأحرى، من ضياع هوياتهم وتبدّد شخصياتهم».

من هنا يطالب المؤلف بما يصفه بأنه بناء جسور التواصل والتفاهم والتواؤم بين الساكن والوافد، والمواطن والمهاجر، وهو يطرح تصوراته بشأن نوعية المؤسسات والآليات التي يراها تجسيداً لمثل هذه الجسور.