الصين بلد قابع في أقصى جنوب الشرق الآسيوي، تاريخه طويل وسجله حافل في مجال الحضارة الإنسانية، وكل شيء فيه يستدعي مشاعر وأفكاراً ومشاهد تدعو للعجب والاستغراب، ابتداء من الشكل المميز بوجوه البشر الذين يشكِّلون، كما هو معروف، أكبر تجمّع سكاني على وجه البسيطة، وليس انتهاء بأساليب الحياة وطرائق المعايش وتقلبات الزمن وتحولات التاريخ.. وصولاً إلى «صين» المرحلة الراهنة التي استطاعت أن تطرق بعنف مستنير حقاً بوابات القرن الواحد والعشرين.

لا عجب أن ظلت الصين- عبر هذا التاريخ الطويل محور اهتمام نوعيات شتى من البشر؛ وصولاً إلى اهتمام الصحفية الأميركية الشابة لورين هلجزر التي وقعت بدورها في دائرة السحر الصينية فقررت أن تمضي في ربوعها (مدينة شنغهاي تحديداً) فترة امتدت نحو ست سنوات قبل أن تعود إلى مدينتها الأصلية نيويورك؛ إذ يبدو أن الجسر الواصل بين الصين ونيويورك هو الذي أوحى إلى الكاتبة بوضع كتابها الطريف الصادر في الفترة القريبة الماضية، وهو كتاب عن صيني في أميركا، يلقي الضوء على حياة مواطن قرر أن يفارق ربوع الصين لكي يبدأ، مع زوجته الشابة حياة جديدة في الموقع الذي لا يزال يحمل عنواناً متعارفاً عليه وهو: «تشاينا تاون».

المؤلفة اختارت لكتابها عنواناً من عبارتين على النحو التالي: «المواطن رقم واحد: أحلام أميركية في الحي الصيني». وقد اختارت أن تحكي تجربة «زوانغ ليهونغ» الناشط السياسي الصيني الذي أسرّ ذات مساء إلى زوجته الشابة «يان» بعزمه – على أن يكملا حياتهما المشتركة في أميركا، وتحديداً في نيويورك. سألته عن سبب تفضيل نيويورك، فأجابها أنها تضم، في تصوره، أهم «تشاينا تاون»، حيث يمكنهما شق الطريق أمام أسلوب حياة جديد؛ وكان أن أردفت سؤالها عن مصير وليدهما الوحيد، لكنه طمأنها بأن سيودع الطفل في رعاية أسرته في الصين ريثما تسمح الأحوال باستقدامه إلى حيث ينضم إلى المهجر الصيني في شرق نيويورك.

وعند خلفية الصورة تحكي المؤلفة في فصول هذا الكتاب عن مسار هجرة الزوجين الشابين، فترسم شخصية الوافد الصيني؛ منذ بداية رحلته السياحية إلى نيويورك، التي قرر بعدها مع زوجته البقاء ليعيشا حياة المهجر بكل ما حفلت به من نوازع الحلم ومكابدة التشكك فيما يخفيه المستقبل، فضلاً عن معاناة كسب الرزق من عمل معقول وشريف.

لكن ما أصبح يؤرق الجميع هو السؤال المطروح: إلى متى يبقى هذا كله صامداً في وجه عواصف المتغيرات التي تحدث في معظم الأحياء الأخرى؟ فقد عانى الحي الإيطالي من غوائل الانحسار إلى حد يكاد يهدد بالذوبان في بحر المدينة الكبرى، فهل يصدُق هذا المصير على الحي الصيني في يوم من الأيام؟