استمتعت كقارئ بكتاب "ومضات من فكر"، الذي صدر مؤخراً لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، وبث في نفسي طاقة إيجابية.
فالنص قدم إشراقات ملهمة، أضاءت عتمة التصورات الذهنية العادية، التي ينسجها العقل حول هيبة ومكانة أي زعيم، وقدمت أبعادا أكثر سلاسة، للقائد حين يكون معلماً، وحين يقدم تجربته وخبرته ورؤيته للحياة للقارئ، فيشاركه التفاصيل، بشكل أكثر قرباً وبساطة؛ علاقته بالناس، وإدارته للشؤون العامة، ورؤيته للحياة، كيف يبدأ يومه، وكيف يدير المهام، وعلاقته بالصحراء والبحر، ككل أهل الإمارات، وبالشعر وقوافيه والخيل المعقود في نواصيها الخير.
الكتاب الذي جاء في 144 صفحة، جمع بين دفتيه، أهم ماقاله سموه، ضمن نقاشات الجلسة الحوارية للقمة الحكومية 2013، قدم أيضاً إضاءات ورسائل عميقة حول القيادة والإدارة، والتحدي والإرادة ومسارات النجاح، يمكن أن يستفيد منها أي شخص، بغض النظر عن مكانته وموقعه، لما تزخر به من سلاسة ووضوح في الرؤية، وطاقة إيجابية، وعزيمة وإيمان وتفاؤل.
كما أن كل التجارب المقدمة مدعمة بشواهد وقصص، قد يطبقها ويستفيد منها أي شخص في حياته اليومية أو العامة في أي مكان، تنم عن اعتزاز عميق بالأصالة وهوية راسخة وشخصية متميزة مستقلة، لها رؤيتها الخاصة للكون وللحياة ولحركة العالم.
بصمة خاصة
فقصة تشييد جزيرة النخلة، التي ساقها الكتاب، تسرد أكبر ملامح تلك الهوية الخاصة والنظرة المتفردة، حيث رفض سموه مخطط الخبراء المبدئي لها، والذي أخذ شكل دائرة كما هو مألوف في إنشاء الجزر، لكنه أصر أن يأخذ المَعلم الحضاري الجديد، الأول من نوعه على سطح الأرض، بصمة خاصة تحمل هوية خاصة، أرادها أن تكون نخلة، وتحيل إلى مفردات البيئة المحلية لأهل الإمارات والعرب جميعاً.
وتتكرر تلك الملامح في النص، في شواهد أخرى، ساقها ببساطة، كتلك الإشارة التي دائما ما نشاهدها في لحظات النصر والفوز، خاصة في السباقات الرياضية، وهو العاشق لها، حيث يرفع أصابعه الثلاث، الإبهام والسبابة والوسط. حيث جرت العادة، أن يرفع الكثيرون إصبعين عند احتفالهم بفوزهم كحرف (V) الذي يرمز إلى victory والتي تعني النصر.
ففكر لمْ علينا أن نتبع دائماً رموز غيرنا عند التعبير عن أفراحنا، ونحن أبناء حضارة عريقة، وأبناء لغة عظيمة. فابتكر هذه الإشارة التي تعبر عن كلمة فوز ونصر، وكلاهما من ثلاثة أحرف، كما يستخدمها أيضاً للتعبير عن الحب.
صياغة التاريخ
كما تحمل قصة بناء برج خليفة دروساً عظيمة حول إعادة صياغة التاريخ، حيث أراد له أن يكون عملاً وطنياً ومحطة تاريخية، ومنعطفاً اقتصادياً للإمارات، حيث شارك في بنائه آلاف المهندسين والعمال والاستشاريين، من الشرق ومن الغرب، فاتحاً الباب للإبداع البشري، ومقدماً صرحاً لم تعرف البشرية مثله، مقدماً رسالة إلى أبناء الإمارات وإلى العالم، تتعلق الأولى بأننا نستطيع أن ننجز الكثير، ونستطيع أن نكون الأول في العالم في الكثير من الميادين، كما أننا لسنا طارئين على التاريخ، ولسنا غريبين على حركة الحضارة.
ورسالة إلى العالم تقول إن الإمارات رقم جديد في الاقتصاد العالمي، رقم راسخ رسوخ برج خليفة. كما ستلعبُ خلال السنوات المقبلة دوراً محورياً على الخريطة العالمية، في عالم جديد قد بدأ، المستقبل فيه لم يجرؤ أن يحلم، ويملك الشجاعة لتنفيذ حلمه.
حكمة ورهافة
إن الروح العالية، التي سكبها سموه بين السطور، المشبعة بالحكمة، بلغتها الشعرية الحالمة، تقدم صورة أخرى لرجل الدولة، مكتملة بأبعادها الإنسانية المرهفة، أسبغ عليها نظرة الشاعر، تلك المتأنية، الغير مستعجلة، المتفحصة معالم الأشياء وتفاصيلها، العارفة بخبايا الناس وأفراحهم وهمومهم، في توليفة متناغمة بين القائد والشاعر، والحزم والرهافة، تمنحُ شغفاً بالحياة، وأعطت عمقاً وتفرداً خاصاً وأسلوباً مميزاً.
يطعمُ الكلمات، بومضات، تشحذُ الهمم، وإشراقات يغرفها من معين قريب وعميق في آن معاً؛ قريب لأنه غير مُتكلف، وعميق لقوة دلالاته ونفاذه إلى القلب والذاكرة، فاتحاً نوافذ الذهن على الممكن، في نصائح تملؤها المشاعر الصادقة، إلى كل فئات الناس، فيتوجه إلى الشباب بأخذ زمام المبادرة وطريق الإبداع والمعرفة، لأن نهضة الدول والشعوب والحضارات، تبدأ من التعليم، ومستقبلها يبدأ من مدارسها، وإلى المرأة، واصفاً إياها روح المكان، مؤكداً أن مرحلة تمكينها تم تجاوزها إلى تمكين المجتمع من خلالها، وإلى العامل قائلاً، لاتمارس عملك كموظف بل مارسه كقائد يحب وطنه، وكصانع يعشق صنعته، وكفنان يبدع فنه، داعياً إياه أن يتصرف كقائد، لأن القائد الحقيقي، ليس بالمنصب، بل بتفكيره وبطريقة عمله وبأهدافه وغاياته النبيلة.
مقدماً إضاءات سريعة، مؤمناً فيها بحكمة الاستثمار في البشر، وغرس السعادة في نفوس الناس، حيثُ أغلى ما نملك هو الإنسان، وأن المستقبل يبدأ اليوم وليس غداً.
زايد وراشد
مستقبل لا يلغي الماضي ولا الجذور، مستقبل يعتز بهويته وأصالته يصون تضحيات الأجداد والآباء المؤسسين، أولئك الذين تخرج من مدرستهم كثيرون، والجيل الذي يقود دولة الإمارات اليوم هو إحدى ثمرات عملهم وتعليمهم، وجهدهم الدؤوب.
فمدرسة الشيخ زايد والشيخ راشد، طيب الله ثراهما، كانت أعظم مدرسة بالنسبة له، حيث صحبهما في حلهما وترحالهما، كما كانت هذه الرحلات دورات مكثفة في فنون إدارة الحياة، واكتساب الخبرة، وأساليب القيادة والإدارة. حيث يقول في الكتاب عن الشيخ زايد رحمه الله، "تعلمنا في المدارس والكليات، ولكني لم أجد مدرسة أو جامعة أكبر من زايد"، كما يقول في موضع آخر في حديث عن التحديات، "لم أر تحدياً مر على زايد إلا واجهه وغلبه". فهكذا كان الآباء، وهكذا كان أسلوبهم في القيادة والإدارة، أسلوب يجمع بين الحكمة والحِلم والإرادة والعزيمة، حيثُ القائد أباً للجميع، وروح الأسرة الواحدة تسري في أركان الدولة، من شرقها لغربها، ومن شمالها لجنوبها.
كما يقدم الكتاب، في سرده المبسط، وبأسلوبه العذب السهل الممتنع، جوانب في صميم الحياة، يتجاوزها كثير من الناس، وتقوم عليه سعادة كل إنسان، أشياء قريبة، نهملها لعدم وجود الوقت، في تسلسل مترابط، ودورة منتظمة، فيتحدث عن الرياضة والصحة، وإدارة الوقت، وعن السعادة والحياة.
كما يهب النص القارئ روافد عزيمة، وإرادة لقائد يعشق التحدي ويرى المستحيل كلمة صنعها البعض لوضع سقف لأحلامهم، حيث المستقبل لأصحاب الأفكار، والإبداع هو الرهان، والتعليم هو العماد، والتحرر من الخوف من المنافسة هو الفيصل، وحيث الرؤية البعيدة ترسم المستقبل.
كما لم يغفل التغيرات في المنطقة، وقراءة في ملامح الاضطرابات ، مقدماً رسائل إلى الشعوب والحكومات وإلى الأجيال، متمنياً الخير للجميع، والاستقرار والسلام والتقدم.
قول وعمل
إن الدوغمائية والبروباغندا السياسية التي عودنا عليها الزعماء في كل مكان من العالم، حيث الخطابات والشعارات أكثر من ماهو متحقق في الواقع، نجد صورة مختلفة لها تماماً هنا، حيثُ كبر مقتاً عند الله أن تقولو مالاتفعلون، فالناظر إلى البنى التحتية لأيقونة المدن العالمية دبي ومستوى الرفاه والتنمية لدولة لإمارات، سيعرف أن ومضات من فكر ليست ادعاء، حيث الفعلُ سبق القول، والمتحقق على أرض الواقع، جاء قبل الكلام.
وإن كان مبدأ الاستخلاف في الأرض هو الإعمار، فإن المنجز الحضاري لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، وإدارته الحكومية الفذة تقدم ومضات من فكر ورؤية حضارية سبقت طموحات الأمم، ستظل خالدة كترصيعات من ذهب على جبين التاريخ، وإشراقات ملهمة للأجيال عن رحلة البناء والتعمير، حيث الإنسان بإمكانه أن يصنع كل شيئ، وحيث لا سقف للأحلام، ولاوجود لكلمة مستحيل مع العمل الجاد والنية الصادقة والإرادة التي لا تلين.
تقديم
قدم لكتاب "ومضات من فكر" صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وقال في تقديمه، "إن الدور الحقيقي الذي يجب أن تلعبه أية حكومة في أي مجتمع يتوافق ويتطابق مع رؤية أخي الشيخ محمد بن راشد، ومع رؤية إخواني حكام الإمارات، وما تعلمناه من آبائنا المؤسسين"، تلك الرؤية التي لخصها محمد بن راشد في كلمته المأثورة "الحكومة وظيفتها تحقيق السعادة للمجتمع، وهي سلطة لخدمة الناس، وليست سلطة عليهم"، كما دعا في تقديمه الأجيال الجددة والشباب الاستفادة من ما جاء في الكتاب من تجارب حياتية لقائد عربي ناجح، ومن أفكار قيادية وآراء إنسانية جميلة.
نشر الكتاب
في تغريدة، ذات دلالات عميقة، منح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، حقوق طبع الكتاب لدار نشر وطنية، دعماً ومساهمة لدور النشر الإماراتية وتشجيع المبادرات الوطنية، وقال سموه "وجهت بأن يطبع الكتاب عن طريق دار نشر وطنية دعماً لأبنائنا الشباب، ووقع الاختيار على دار كتّاب للنشر للواعد جمال الشحّي".
بلكونات
- سألني أحدهم: كيف تكونُ مبدعاً؟ فقلتُ له: يجب أن تتعود على ألا تتعود
- نظم وقتك واعرف أولوياتك واستمتع بحياتك واترك أثراً يدل عليك
- التدريبُ يفتحُ عينيك على نقاط الضعف ويعطيك ثقة في نفسك ويجعلك أقرب لتحقيق النصر
- الطاقة الإيجابية تعطيك منظوراً جميلاً للحياة وتزودك بالدافع والتحفيز والطموح الذي تحتاجه للنجاح
- المستحيل هو كلمة يستخدمها البعض لوضع سقف لأحلامهم
- الحياة السهلة لاتصنع الرجال ولاتبني الأوطان، التحديات هي التي تصنع الرجال، وهؤلاء الرجال هم من تبنى بهم الأوطان
- تعرفتُ إلى الكثيرين من زعماء العالم، السياسيين والاقتصاديين، فلم أشاهد أكثر بساطة من زايد
- أهم ماتعلمناه من زايد وراشد هو كيف يكونُ القائدُ أباً للجميع
- نهضة الدول والشعوب والحضارات تبدأ من التعليم ومستقبلُ الأمم يبدأ من مدارسها
- نحنُ دولة صغيرة بمساحتها، عظيمة برجالها، قوية بإنجازاتها
- كل إنجاز تحققه وكل حياة تغيرها وكل مهارة تتعلمها تجعلك قائداً أفضل
- بالإبداع والأفكار نستطيعُ بناء الدول والمؤسسات، والمستقبل سيكون لأصحاب الأفكار