تعد «موسوعة مساجد الإمارات»، التي أصدرتها صحيفة «البيان» في دبي، أثناء الربع الأخير من العام الماضي (2013)، ضمن برنامج موسوعتها الخاصة بالمساجد على امتداد العالم الإسلامي، من الكتب النوعية المتخصصة التي تناولت، بالكلمة والصورة، جماليات عمارة وزخارف أبرز المساجد في الإمارات، وذلك باللغتين العربية والإنجليزية.

ويُلخص مؤلف الموسوعة، الزميل كامل يوسف حسين رئيس قسم الترجمة في صحيفة «البيان»، في مقدمتها، العناصر الخمسة التي تستمد منها هذه الموسوعة أهميتها، وفق منهج موضوعي معرفي، بداية بريادة الإصدار في تناوله النوعي لمنظومة المساجد والجوامع من خلال مقاربة لجماليات العمارة. ولمساهمة الكتاب/الموسوعة، في تسليط الضوء على جماليات معمارية جديرة بدراسة وبحوث الأكاديميين والمتخصصين، والتي تعتبر من ملامح الهوية الإماراتية. إلى جانب تناول الكتاب لأحدث المساجد التي بنيت في السنوات الأخيرة.

محاكاة الفصول

يتناول الفصل الأول من فصول الكتاب العشرة، الملامح الرئيسية في عمارة مساجد الإمارات، في ثلاثة محاور، أولها تمهيد عن رحلة تطور عمارة المساجد منذ المسجد النبوي في المدينة المنورة، الذي يصفه الكاتب بالجد الأعلى لكل مساجد الدنيا، ووصولاً إلى تطور فنون العمارة والزخارف الإسلامية. أما المحور الثاني فيعتمد على جماليات المكان التي تعنى بإبراز مكامن الجمال. في حين يعتمد المحور الثالث على رصد الملامح الجوهرية لعمارة مساجد الإمارات.

ويلخص الكاتب فصول الكتاب بمقاربتها من أصداء بنية المئذنة أو المنارة، مع وصولها إلى قمة كمالها الجمالي في التقاليد المعمارية المملوكية، حيث يحاكي الفصل الأول القاعدة المربعة الركينة والقوية. ويشبه الفصل الثاني الكيان المثمن الرشيق للمئذنة، لتماثل الفصول الوسيطة، الاسطوانة الرهيفة التي تعلو المثمن. وليجسد الفصل الأخير المبخرة البديعة التي تتوج المئذنة التي لا تفارق العين ولا البصيرة ولا الروح.

مساجد الإمارات الأثرية

يشير كامل يوسف، إلى أن الدراسات التاريخية المتوافرة عن المساجد في الإمارات لا تكفي لتقديم دراسة وافية، متمنياً تحقيق مبادرة لدراسة علمية أكاديمية لفنون وعمارة تلك المساجد. ويُطل من خلال هذا الفصل على أربعة أبعاد للمساجد القديمة التي لا تزال قائمة في كل من أبوظبي ودبي والشارقة ورأس الخيمة والفجيرة.

مسجد الشيخ زايد

يبيّن الباحث أن أول تأريخ رسمي للمساجد القديمة في إمارة أبوظبي كان عام 1979، انطلاقاً من جزيرة دلما والتي وضع البروفيسور س. سليزيو خططاً لترميمها. وتناول من المساجد نموذجين: الأول، جامع العتيبة، والذي هدم وشيد مكانه جامع الشيخ خليفة بن زايد الأول..وشيد ذاك الجامع عام 1936 في شمال غرب الحصن. مع الإشارة إلى خصوصية المساجد التاريخية في أبوظبي التي كانت تخلو من المآذن.

وذلك تبعاً للتراث الإسلامي القديم جداً. ومسجد الشيخ زايد الجامع الكبير، مع دراسة لبنيته المعمارية التي تعكس جوهر تقاليد فنون إسلامية من حضارات مختلفة، ومسجد حمودة بن علي الظاهري في العين، المبني على طراز العمارة المغربية.

في دبي

أما في دبي فاقترن ازدهار التجارة في أواخر القرن التاسع عشر، بالإقبال على تشييد المساجد في المناطق السكنية والتجارية، وفي مقدمتها المسجد الكبير الذي يقع على خور دبي ويتميز بطرازه الفريد ومئذنته، وقبابه البالغ عددها 25 قبة. كما يعد مسجد الشيوخ أول مسجد في منطقة الشندغة، حيث شيد عام 1897 بمساحة قدرها 220 متراً مربعاً. ويبلغ عدد المساجد التاريخية فيها 20 مسجداً، من ضمنها: الجامع الكبير ومسجد الفاروق.

ويتعرف القارئ إلى جماليات عمارة المساجد في دبي من خلال 14 مسجداً من فئة المساجد الجامعة، التي يأتي في مقدمتها: مسجد جميرا الجامع الكبير، مسجد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في منطقة جميرا الرابعة، مسجد الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم في منطقة بور سعيد. وبالمجمل، تعكس تلك الجوامع ثراء المنجز المعماري، على امتداد الإمارة، مع الحرص على ترميم وتجديد المساجد القديمة.

مسجد الفاروق

يعد مسجد الفاروق عمر بن الخطاب، في منطقة الصفا الأولى في الجميرا، واحداً من أبرز مساجد الإمارات، والذي شيّد بمبادرة من رجل الأعمال خلف الحبتور، بهدف تعزيز قيم الثقافة العربية والإسلامية، ونشر الوسطية والتسامح والتواصل الروحي والفكري.

شيد المسجد عام 1986، وجرى توسيعه عام 2003، ليعاد بناؤه عام 2010 فيفتتح في شهر رمضان من عام 2011. ويتميز المسجد بجماله المعماري والزخرفي ورسالته المجتمعية الروحية والحضارية.

عمارة مساجد الشارقة

كان مسجد الشارقة الجامع في الشارقة: «مسجد صلاح الدين الأيوبي سابقاً»، نقطة الارتكاز في مدينة الشارقة القديمة. ولم يبق من أصل 21 مسجداً قديماً فيها، سوى خمسة مساجد، من بينها: المسجد الجامع. وفي رأس الخيمة أسفرت عمليات مسح الآثار عن تسجيل ما يزيد على 30 مسجداً لها صفات خاصة ببنائها المعماري، وتعود إلى القرن التاسع عشر.

وارتبط فن العمارة في الشارقة بمفهوم الثقافة، لتتوجه نحو بلورة هوية ثقافية واضحة، تتصدى لبرنامج عمراني كبير يشمل ترميم أهم مناطق البيئة الحضرية التقليدية. ومن بين أبرز المساجد في الشارقة: مسجد النور على كورنيش الشارقة المستلهم من العمارة العثمانية (الذي بني عام 2005)، مسجد الملك فيصل القريب من حديقة الاتحاد الذي يتسع لأكثر من 16 ألف مصل.

يتجلى جمال المشروع الزخرفي للعمارة في مسجد «فاطمة بنت علي» في عجمان، سواء في الزخارف الهندسية، أو في تعدد العناصر الزخرفية كالمقرصنات والتيجان.. وغير ذلك. أما مسجد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في عجمان أيضاً، فيحمل ملامح المساجد الحديثة التي تستلهم تصميمها من العمارة المملوكية.

مساجد أخرى

يستعرض كامل يوسف في فصول الكتاب/الموسوعة، وتبعاً لكل إمارة، ما تمكن من الوصول إليه من معلومات، من خلال ما كتبه المؤرخون والرحالة. ليستعرض في الفصول الأخيرة، أبرز جماليات عمارة المساجد في أم القيوين، ومنها: مسجد الإمام أبي حنيفة النعمان.

ومن ثم في رأس الخيمة، وفي مقدمتها: مسجد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. كما يتناول الكتاب في الفصل الخاص بمساجد الفجيرة، جماليات مسجد زايد بن سلطان آل نهيان الجديد، المبني على الطراز العثماني، والذي يعد ثاني أكبر مسجد بالإمارات، إلى جانب مسجد البدية الذي يصنف من أقدم مساجد الإمارات.

مستقبل العمارة المحلية.. السمات والهوية الوطنية

يتناول الفصل الأخير في الكتاب، مستقبل عمارة المساجد في الإمارات، من خلال ارتباط وضعية عمارة المساجد بالمشروع الثقافي في الإمارات، والعلاقة بين العمارة والهوية الوطنية، والسمات الأفضل لعمارة المساجد ومن واقع تجربة الإمارات. وكذلك العلاقة بين هذه العمارة والحداثة ووضعية المساجد الصغيرة في البيئة المحيطة بها.

وإضافة إلى ذلك: تحولات المستقبل المتوقعة في عمارة مساجد الإمارات. وأخيراً: قراءة لملامحها المستقبلية، وفي مقدمتها، توقع المؤلف أن تكون مساجد الأحياء الصغيرة، أبرز ملامح عمارة المساجد في مستقبل الإمارات.

وفي العموم، يحاول الزميل كامل يوسف في هذا الكتاب/ الموسوعة، رصد السمات الجمالية الفريدة للمساجد في الامارات، مركزا، في الوقت نفسه، على تحديد جملة مميزات لها. كذلك على طبيعة خصوصيتها وانسجام معمارها مع طبيعة البيئة والثقافة المحليتين.

شكل موحد للمآذن في مساجد دبي

يوضح كامل يوسف في الكتاب، أنه اعتُمد في دبي شكل موحد للمئذنة لجميع المساجد، وذلك مع إتاحة الفرصة للمعماريين والقائمين على المساجد، لاعتماد الطراز المعماري الذي يتوافق مع جماليات المنطقة التي يشيد بها المسجد، وخدماتها.