تعد مكتبة روسيا الوطنية في سانت بطرسبورغ، من بين أكبر المكتبات في العالم، ونظراً لاتساع مجموعتها وغناها، يقارنها الباحثون بمكتبات العالم الأساسية، مثل مكتبة الكونغرس في واشنطن.
وكانت هذه المكتبة تعرف باسم «المكتبة العامة الإمبراطورية» عندما أطلق مشروعها عام 1795، في عهد الإمبراطورة كاترين الثانية، التي وافقت على تصاميم المبنى للمعماري أيغور سوكولوف عند زاوية «جادة نيفسكي» و«شارع سادوفايا». واستغرق بناؤها عشرين عاما تقريبا من 1795 إلى 1814..
ويقال إن كاترين الثانية أضافت مرصداً فلكياً إلى المبنى مع تليسكوب، يعود الى العالم الفلكي البريطاني سير وليام هيرشل، ليجري استخدامه من قبل المهتمين، وطلبت نقل مجموعة الكتب العائدة للإخوة «زالوسكي» من وارسو إلى سانت بطرسبورغ..
وهي المجموعة التي شكلت نواة مخزونات المكتبة من اللغات الأجنبية، على أن تضاف إلى مجموعة البلاط الملكي، والتي تشمل مكتبتي الأديبين فولتير وديديرو، ومجموعة رئيس أكاديمية العلوم في سانت بطرسبورغ جوهان كورف.
ودشنت «المكتبة العامة الإمبراطورية»، التي نالت اهتماما كبيرا من كاترين، كأول مكتبة عامة في روسيا بتاريخ 14 يناير 1814، وكان القيصر الكسندر الأول قد أصدر مرسوما بفتح المؤسسة الجديدة «للاستخدام العام»، وبناء على القانون الذي سُنّ عام 1810 كان على ناشر كتب أن يُهدي المكتبة نسختين من أي كتاب مطبوع.
وفي عام 1832، أضيف مبنى جديد لمكتبة روسيا الوطنية التي كانت تدعى «المكتبة العامة الإمبراطورية»، من تصميم المعماري كارلو روسي وإي إف تشردين.
وفي ثلاثينيات القرن الماضي، بدأت الدولة السوفييتية ببناء مبنى إضافي جديد، لاستيعاب محتويات المكتبة المتزايدة، لكن عمليات البناء توقفت بسبب الحرب العالمية الثانية، وجرى نقل محتويات المكتبة إلى أماكن أكثر أمانا. ثم شيد مبنى جديد ضخم للمكتبة في جادة موسكوفسكي في عام 1998.
وفي 27 مارس 1992، صدر مرسوم رئاسي بمنحها لقب «مكتبة روسيا الوطنية».
إطلالة على المحتويات
تتألف المكتبة من ستة طوابق، تحتضن بين جدرانها عدداً هائلاً من المؤلفات والموسوعات والكتب والمخطوطات والخرائط والمعاجم والأطالس والشرائط الصوتية والنوتات الموسيقية والكتب والمجلات واللافتات والنقوش والمستنسخات والأطروحات، والتي تعود لأكثر من مئة قومية من شعوب روسيا والاتحاد السوفييتي السابق، إلى جانب عشرات الآلاف الأخرى من المؤلفات والمخطوطات النادرة المكتوبة بـ367 لغة أجنبية.
وقدرت محتويات المكتبة بإجمالي 36.4 مليون كتاب وأثر في عام 2011. ومن الطبيعي أن تشمل المكتبة أكمل مجموعة من المؤلفات الروسية والأوكرانية والبيلاروسية في العالم، وقسم كبير منها من المطبوعات السلافية القديمة التي تعود الى القرن السادس عشر. أما مجموعة الكتب الأجنبية فيصل عددها إلى حوالي 6.2 ملايين كتاب، وتعنى بمختلف العلوم والمعارف.
بدايات
كان للكونت ستروغانوف، الذي تولى إدارة المكتبة بعد وفاة الإمبراطورة كاترين الثانية، دور كبير في ازدهارها، ويقال إنه اقنع القيصر الكسندر الأول بشراء مجموعة الدبلوماسي بيوتر دوبروفسكي، الذي تمكن خلال الثورة الفرنسية من الحفاظ على بعض أوراق أرشيف الباستيل، والحصول على مخطوطات من القرن الخامس إلى الثالث عشر من مكتبات الأديرة القديمة في فرنسا، وجمع 8 آلاف من مؤلفات شخصيات فرنسية بارزة ..
وبحلول عام 1913 كان في المكتبة مليون كتاب باللغة الروسية (والمجموعة الكاملة كانت تتألف من ثلاثة ملايين عنوان)، ما جعلها واحدة من المكتبات الأعظم في العالم مع أغنى مجموعة مخطوطات في روسيا. وأضيفت إلى المكتبة كنوز كثيرة.
ثروة
جرى تأسيس قسم المخطوطات بالمكتبة كمستودع في عام 1805 لمجموعة دوبروفسكي ومجموعة مكتبة الأخوة زالوسكي التي أعيد معظمها إلى بولندا بعد الثورة. وتوسعت محتوياتها مع الحصول على مجموعة فورولوف وتولستوي وبوغودين وجزء من مقتنيات «مجموعة هرمتاج» (1852 إلى 1861).
وحصلت على الكتب الإسكندنافية من السفير الروسي إلى السويد بيوتر سوختالين، ومجموعات المخطوطات الشرقية من فيركوفيتج ورئيس الأساقفة بورفيري. وبحلول 1917، كانت المكتبة تعد الثانية بعد «المكتبة الوطنية» في باريس، لاتساعها وقيمة مقتنياتها من المخطوطات.
وبعد الثورة الروسية، توسع قسم المخطوطات بحصوله على المزيد من «هرمتاج» ومجموعات القصور والأديرة والمؤسسات المدنية والمجموعات الشخصية.
ويحوي هذا القسم مخطوطات بأكثر من 50 لغة.
عالم المخطوطات الشرقية
تزخر المكتبة بإحدى أقدم مجموعة المخطوطات الشرقية القديمة في العالم، ويمتد تاريخ المجموعة، من القرن العاشر قبل الميلاد إلى يومنا الحالي..
وتمتد جغرافيا من اليابان إلى إندونيسيا وإسبانيا، ومن سانت بطرسبورغ إلى اثيوبيا. وبين أقدم مقتنياتها أوراق البردى المصرية من الفترة الليبية للقرنين العاشر والتاسع قبل الميلاد، ونصوص بوذية بلغة بالي مكتوبة على سعف النخيل، ومخطوطات سريانية من القرن الخامس، ونقوش على الحجر والجلد.
وكانت المكتبة العامة الإمبراطورية قد بدأت بشراء مخطوطات بلغات شرقية منذ تأسيسها عام 1795. وأكبر مجموعة استحواذ كانت ممكنة خلال التاريخ الأول للمكتبة، وذلك بسبب حملات الجيش الروسي ضد الفرس وتركيا، إذ حصلت على مجموعة من 420 مخطوطة بالعربية والتركية والفارسية .
وأكبر مجموعة خاصة اشترتها المكتبة في سنة 1862، وكانت للتاجر وعالم الآثار افرام فيركوفيتج الذي بلغت مجموعته حوالي 18 الف مادة، والتي جعلت مجموعة المخطوطات العبرية في المكتبة الأكبر في العالم. والمجموعة غنية تحديدا بالمخطوطات العبرية والعبرية – العربية..
والسامرية، بما في ذلك نصوص من الإنجيل والتلمود حصل على جزء منها من جنيزة القاهرة، وهي تتضمن النسخة الأقدم المعروفة للتوراة العبرية (1008)، ومخطوطة «أواخر الأنبياء» العائدة لعام 916 م، والإنجيل غير المكتمل العائد لعام 929 مالمزين بصور شمعدانين.
وتبين أن قسما كبيراً من مجموعة فيركوفيتج كان باللغة العربية. ويفيد الباحثون بأنهم وجدوا بين مخطوطاته مؤلفات تعود لفكر المعتزلة لا توجد نسخ منها في أي مكتبة أو مجموعة إسلامية، ومن بينها مجلدات منقحة من كتاب «المغني في أبواب التوحيد والعدل» لقاضي القضاة عبد الجبار الهمذاني (المتوفى 415 للهجرة).
ومقتطفات واسعة من عملين للوزير الصاحب بن عباد (المتوفى 385 للهجرة)، ونسخ من كتاب «الذخيرة في الكلام» للشريف المرتضى الذي نسخه المتكلم القرائي المعروف، عالي بن سليمان المقدسي في 472، ومقتطفات من كتاب «تصفح الأدلة» لابي الحسين البصري.
وبين مخطوطات فيركوفيتج، كانت هناك 45 مخطوطة للكتاب المقدس، يعود تاريخها إلى ما قبل القرن العاشر، ومن أقدمها إنجيل يعود لعام 892م. وكان للشرق منها 40 مخطوطة سورية، 13 بينها ما تعود إلى الألفية الأولى، ومن أقدمها «التاريخ الكنسي» لأوسيبوس الذي خطه عام 462م، و64 مخطوطة قبطية.
أطياف وتقاليد
ويعتقد الباحثون أنه إلى جانب تضمن المقتنيات والمخطوطات في المكتبة، أطيافا مختلفة من الفكر اليهودي، بما في ذلك السامري، إلا أنها أيضا تحوي أيضا التقاليد المسيحية والإسلامية من القرن التاسع وحتى السادس عشر، بما في ذلك مقاطع من مخطوطات لتفسير القرآن الكريم، ومجموعة نصوص عن الفلسفة والمنطق وعلم الكلام، والفقه وأصوله والطب والفلك وغيرها .
مخطوطات أجنبية
وفي المكتبة إحدى أغنى مجموعة المخطوطات السلافية والغربية في العالم. ومن بين الكنوز السلافية «انجيل اوسترومير» (1056-1057) وهو ثاني اقدم كتاب سلافي شرقي في التاريخ، وما يدعى «أسفار ازبورنيك» (1076)..
ومخطوطة «لاورنتيان» وهي الجزء الأقدم من تاريخ السلاف القدماء، ومخطوطة «سجل أحداث لافرنتيفيسكايا» لعام 1377 التي تعد المصدر الأهم لسجل الأحداث التاريخية في جنوب روسيا من 850-1110، وأيضا: «مزامير سبيريدون» مع 300 منمنمات (1397)، «الأناجيل الأربعة المصورة (1508)، النص الأقدم لمدونة القانون الروسي روبسكايا برافدا.
وبين المقتنيات السلافية خارج روسيا، هناك مجموعة مخطوطات بلغارية وصربية وكرواتية ونصوص بالأبجدية السلافية القديمة. وتصنف المكتبة الأغنى في روسيا في مجال علم الموسيقى، باحتوائها على مقاطع موسيقية لمؤلفين مشهورين. علاوة على مسرحيات ورسوم عائدة لفنانين. وعدد كبير من المخطوطات المتنوعة.
وتوجد في المكتبة مخطوطات دينية أخرى، منها: المخطوطة الأقدم للإنجيل اليوناني مخطوطة السينائية من 340م، مخطوطة الراهب بيدا التي يعتقد أنها تعود إلى عام 746م، إنجيل بورفيري (835)، مزامير بورفيري (862)، ثم هناك إنجيل تريبيزوند - المخطوطة البيزنطية من القرن العاشر، وانجيل هيستوريال لغوريات دو مولين الإنجيل الأول المترجم إلى الفرنسية عام 1350.
نفائس
تبرز بين مجموعة المخطوطات اليونانية في المكتبة، مجموعة البروفسور كونتانتين فون تشندورف وعالم الآثار الألماني كريستاين فرندريك فون ماتاي، الذي على مدى ثمانين عاما، جلب معه من فلسطين ما يقرب من 290 مخطوطة يونانية، بما في ذلك 34 مخطوطة مكتوبة على ورق نفيس (الأقدم من القرن التاسع)..
وعدة مخطوطات من مكتبة الأباطرة البيزنطيين، وهي تحديدا مثيرة للاهتمام.. وبينها مقتطفات من مسرحية لميناندر بعنوان «فاسما والتحكيم» تعود إلى القرن الرابع، و«بوليتي أوف اثينا» لأرسطو المعروفة باسم «أوراق البردى النبوية».
أكثر من ألفي مخطوطة عربية وإسلامية ثمينة
توجد في المكتبة مئات الألوف من الكتب والمخطوطات الثمينة، الإسلامية والعربية، وهناك نسخ المصاحف الشريفة في قسم «الأدب الشرقي». ويوجد أكثر من ألفي مخطوطة، بجانب صفحات باقية تشمل مجموعة كاملة من المصاحف بالخط الكوفي، تعود الى القرون: ما بين الثامن والحادي عشر. هذا علاوة على أحد أقدم المصاحف وهو مصحف الخليفة عثمان- من منتصف القرن السابع.
إضافة لمخطوطات عربية من القرنين ال13 وال14، حول مجالات متنوعة. وكتب رائعة مزينة بالأسلوب المملوكي تعود للقرنين ال14 وال15ر، وكتاب «الجغرافيا» للإدريسي ومعه 37 خريطة..
وعمل فلكي لعبد الرحمن بن عمر الصوفي (القرن التاسع الميلادي) مع صور لمجموعة النجوم، و(القانون في الطب) لابن سينا طبعة 1593، وكتاب (الأغاني) لأبي الفرج الأصفهاني - من 20 مجلدا (طبعة 1868)، وأكثر من 100 مخطوطة تشمل مخطوطات عربية من القرن ال14، منها: قصيدة «تخميس البردة».وهناك أكثر من ألف مخطوطة فارسية .
مكتبة فولتير و70 ألف مجلد نادر
ومن أهم محتوياتها ما يفوق الأربعمئة ألف مخطوطة، تعد بين الأهم من نوعها في العالم، ومجموعة واسعة من الكتب المطبوعة قبل العام 1501 وعددها أكثر من ستّة آلاف مجلّد، كان قد نشر بعضها الناشرون الأوائل في أوروبا الغربية: «السفيرز»، «الدوس مانوتيوس». وهناك عدد من الكتب المطبوعة خلال الفترة (1455- 1830) كمجموعات خاصة، مثل مكتبة فولتير. وفي المكتبة أيضا 70 ألف مجلد من الكتب النادرة، تضاف إلى مجموعة هائلة من الكتب والدوريات والخرائط، والصحف والمجلات، وغيرها.