تناولت مؤسسة الفكر العربي التقرير العربي الثامن للتنمية الثقافية، الصادر أخيراً، موضوع: «التكامل العربي (تجارب وتحديات وآفاق)»، إذ تناولته موزعاً في قراءاته ونقاشاته وتوصياته على ستة أبواب، خاطب أولها إشكاليات الهوية العربية وتحدياتها، وثانيها التكامل العربي ومشروع الدولة الوطنية.
وثالثها الثقافة العربية في إقليم مضطرب، وتناول رابعها التعاون الأمني والعسكري في الوطن العربي، وخامسها التكامل العربي: الأبعاد الاقتصادية، وسادسها جامعة الدول العربية.. الواقع والمرتجى.
وافتتح الإصدار/ التقرير، صفحاته بكلمة للأمير خالد الفيصل رئيس مؤسسة الفكر العربي، إذ أكد فيها أن «مؤسّسة الفكر العربي» دأبت على إصدار تقارير تنموية ثقافية سنوية تختصّ بقضايا عربية محورية، هي من صلب القضايا المُلحّة التي تفرض نفسها على الأمّة..
وتتقدّم على ما عداها من قضايا أخرى تشغلها في الصميم، لافتاً إلى أن الأحداث والخطوب الجسام التي تضطرب بها أمّتنا، وخصوصاً على مدى السنوات الخمس الفائتة، وحتّى اليوم، ما هي إلّا المثل الساطع على ذلك، حيث اختارت المؤسّسة وقائع هذا الانهيار العربي الكبير، وفي كلّ شيء تقريباً، محوراً مركزياً لتقريرها السنوي الثامن للتنمية الثقافية ـ 2015.
وأشار الأمير خالد الفيصل، إلى أن المشهد العربي الراهن والمتمادي بمضاعفاته الخطيرة، في مختلف الجوانب كالسياسة والأمن والاقتصاد والثقافة والمجتمع، جعل من معاينة هذه الجائحات الخطيرة، ودراستها في العمق ضرورة، ما دعا مؤسّسة الفكر العربي إلى تحليل دواعيها وأبعادها ونتائجها، تمهيداً للإسهام مع المسهمين في رسم الحلول الناجعة..
والحضّ على تفعيل العمل العربي المشترك من خلال المؤسّسات القائمة، وعلى رأسها جامعة الدول العربية. ومن هنا جاء هذا التعاون المثمر بين مؤسسة الفكر العربي والجامعة العربية بوصفها واحداً من أبرز المداميك القومية المؤسّسية الجامعة..
والتي يراهن كثير من المخلصين في الوطن العربي على عودة الروح إليها، خصوصاً بعد مرور سبعين عاماً على قيامها، لافتاً إلى أن مؤسسة الفكر العربي وجدت كلّ تجاوب وتعاون مخلص من جانب القيّمين والعاملين في جامعة الدول العربية.
مناخ للحوار
كما تضمن الإصدار كلمة للدكتور نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية، أكد فيها أن الانشغال بقضايا توثيق الصلات بين الدول العربية، شعوباً وحكومات، يمثّل حيّزاً واسعاً في عمل جامعة الدول العربية، وذلك وفقاً لما نصّ عليه ميثاق جامعة الدول العربية في مادته الثانية: «الغرض من الجامعة توثيق الصلات بين الدول المشتركة فيها..
وتنسيق خططها السياسية، تحقيقاً للتعاون بينها وصيانة لاستقلالها وسيادتها، والنظر بصفة عامّة في شؤون البلدان العربية ومصالحها»، وخلال سعي الجامعة المستمرّ لتطوير عملها وتجويد أدائها، اعتمدت في ذلك على توسيع قاعدة شراكاتها مع مختلف ألوان الطيف في المجتمعات العربية، شملت مؤسّسات ومفكّرين وباحثين وناشطين للاستعانة بفكرهم وخبراتهم ورؤاهم، ولكونهم أيضاً مشغولين بالمصير العربي.
صراعات
وتحدث هنري العويط، المدير العام لمؤسسة الفكر العربي، في كلمته عن اختيار التكامل لمناقشته، مشدداً على أهميّته المركزيّة على الصعيدَين العالميّ والعربي..
وأن اختياره كموضوع محوري للتقرير جرى في ضوء ما تشهده المنطقة العربيّة من أحداث جسام، وما تعانيه دولها من صراعات وانقسامات وتشرذم تُعرّض لأشدّ المخاطر هويّتَها وكيانَها ووحدةَ أراضيها وسلامة مواطنيها، وفي ضوء ما تواجهه أيضاً من تحدّيات مصيريّة تتهدّد وجودها وبقاءها.
تعريفات وتحديات
ست قضايا مهمة ـشائكة، استعرضها التقرير العربي الثامن للتنمية الثقافية، توزعت في ستة أبواب احتضنها الكتاب، حمل أولها عنوان «إشكاليات الهوية العربية وتحدياتها»، واستعرض أوراق عمل بحثية عكست رؤى وآراء وأفكار كبار الباحثين والكُتاب، إضافة إلى مشاركات عدد كبير من الخبراء والمختصين في ورش عمل عكست فكراً ووعياً كبيرين وأثمرت عن توصيات فاعلة.
حمل مدخل هذا الباب عنوان «هويات في شراكة على قاعدة المواطنة الثقافية»، وكتبه الباحث والكاتب الدكتور سمير مرقس من مصر، مؤكداً فيه أن مفهوم الهوية يُعَدّ أحد المفاهيم الإنسانية الكبرى التي انشغل بها العقل البحثي والمعرفي تاريخياً، وإلى الآن، لذا كانت الحصيلة المعرفية لهذا الانشغال، وعلى مدىً زمنيٍّ ممتدّ، أن تعدّدت تعريفات الهويّة..
وتشكّلت تجلّيات عدّة لها، أولاً بالإنسان منفرداً، وثانياً بالإنسان في إطار علاقاته بمَن حوله، وحركته في دوائر الانتماء المتعدّدة التي ينتمي إليها، وثالثاً بالتحوّلات التي طرأت على الواقع والمجتمع. تتابعت الأوراق البحثية في هذا الباب، وافتتحها الدكتور أحمد سراج من المغرب بعنوان «الهويّة المغربيّة بين روما والإسلام»..
وطرح الدكتور خالد زيادة من لبنان في ورقته «أفكار حول تجديد الفكرة العربية»، جملة قضايا وأفكار في الموضوع. كما ناقش الدكتور عبدالله السيد ولد أباه من موريتانيا في ورقته موضوعة «تحدّيات الهويّة في العالم العربي الراهن»، ومن أبرز التوصيات في هذا الخصوص:
1ـ لا بدّ من اعتبار الهويّة موضوعاً دينامياً قابلاً للتكيّف والانفتاح والتجدّد أمام المستجدّات الفكرية والسياسية التي يشهدها العالم. فضلاً عن إمكانية وضرورة مقاربة الهويّة من مداخل متعدّدة.
2ـالهويّة في المسار التاريخي: التشديد على أهمّية السياق التاريخي في التعاطي مع مسألة الهويّة كمدخل لفهمها وضبط مسارها وتجلّياتها عبر هذا التاريخ.
4ـ الهويّة من منظور علاقتها بالعروبة والإسلام: ضرورة التعاطي مع قضية الهويّة باعتبارها وعاءً قادراً على استيعاب عناصرها ومكوّناتها كافة، في مركّب تفاعلي جامع.
«المواجهة قائمة»
وتناول الباب الثاني قضية «التكامل العربي ومشروع الدولة العربية»، وفي مدخل هذا الباب، كتب الدكتور عبدالخالق عبدالله قراءته بعنوان«الدولة الوطنية:
المواجهة قائمة منذ مئة عام»، لافتاً إلى أن موجةٌ عارمة من الشكّ والتشكيك واجهت مشروع الدولة الوطنية العربية منذ لحظة ولادته الأولى قبل أكثر من 100 سنة.
ولم يتوقف الهجوم الفكري والسياسي على مشروع الدولة الوطنية حتى يومنا هذا، بل إنّ معول الهدم، وقوى التفتيت من الداخل، وخطط الاختراق من الخارج، أُضيفت إلى تعثّر السجل التنموي، ما زاد الأمور تعثراً، بل إنّ هذا الهجوم ازداد زخماً بشكل ملحوظ وبوتيرة أسرع في السنوات الأخيرة، ويبدو أنّه سيستمر خلال المستقبل المنظور.
وأكد عبدالخالق عبدالله على نقاط مهمة، أبرزها أن: «الوطن العربي المجزّأ أصبح أكثر تجزئة، والوحدة العربية أبعد منالاً.. واتضح أنّ التجزئة هي الأصل، والتكامل والوحدة هما الاستثناء». المواطنة والعدالة والمساواة
وانهالت في الباب الثاني الأوراق البحثية، إذ قدم الدكتور شفيق المصري من لبنان ورقة حملت عنوان «العقد الاجتماعي والدولة الوطنية»..
وقدم الدكتور طارق محمد يوسف من ليبيا ورقة بعنوان «التنمية والإصلاح الاقتصادي في الوطن العربي»، وحملت ورقة الدكتور علي الدين هلال من مصر عنوان «الدولة الوطنية العربية أزمة مرشحة للاستمرار»، وناقش الدكتور غانم حمد النجار من الكويت، ورقة بعنوان «المواطن والدولة الوطنية العربية، المفهوم والإشكالية». وكانت أبرز التوصيات:
1ـ الدفاع عن مشروع الدولة الوطنيّة، ومقاومة مشاريع التقسيم والتفتيت، مع التأكيد على ضرورة تطوير «الدول الوطنيّة»، لتصبح أكثر فاعلية وكفاءةً وقدرةً على القيام بوظائفها الرئيسية تجاه مواطنيها.
2ـ معالجة أزمة التكامل على المستوى العربيّ، وذلك من خلال عددٍ من الإجراءات، أهمّها: تطوير آليات جامعة الدول العربيّة، دعم التوجّه نحو التكامل العربيّ مع التركيز على التكامل الثقافيّ.الثقافة العربية في إقليم مضطرب
تناول الباب الثالث موضوع «الثقافة العربية في إقليم مضطرب»، وكتب الدكتور نبيل عبدالفتاح من مصر مدخله، وأعد الأوراق البحثية إلى جانبه الدكتورة سعاد المانع من السعودية، وحملت ورقتها عنوان«واقع المشهد الثقافي في دول مجلس التعاون الخليجي»، والدكتورة نادية أبو غازي من مصر..
وتحدثت عن «ملامح السياسة الثقافية في مصر خلال العقود الأخيرة»، وقدم فخري صالح من الأردن ورقة بعنوان «الثقافة العربية وواقع الاحتراب في بلاد الشام والعراق»، وشارك في الورشة المتخصصة بهذا الموضوع، عدد من الخبراء، وجاءت أبرز التوصيات كالتالي:
1ـ تفعيل دور جامعة الدول العربيّة والمنظّمة العربيّة للعلوم والثقافة «الألكسو» في دعم مشاريع الشراكة الثقافية وتوسيعها، وتوفير التمويل والموارد والخبرات..
والسعي إلى تنفيذ بنود العقد العربيّ للتنمية الثقافية (2005ـ 2015) الذي أقره وزراء الثقافة العرب في عمّان في العام 2002، وتطوير الخطّة الشاملة للثقافة العربيّة التي أعدتّها المنظّمة في فترة سابقة؛ لأنّ التكامل العربيّ في المجال الثقافي يشكّل أحد أهمّ المداخل، التي يمكن من خلالها بناء قاعدة صلبة لتحقيق التكامل العربيّ المنشود.
2ـ اتّخاذ الإجراءات اللازمة لتنسيق العمل بين المؤسّسات الحكوميّة والأهليّة المعنيّة بالعمل الثقافي في الدول العربيّة على مختلف المستويات.3ـ تطوير العلاقات الثقافية بين دول المنطقة وبين أقاليمها الجيوسياسية والجيوثقافية المتقاربة.الأمن القومي العربي وتناول الباب الرابع قضية «التعاون الأمني والعسكري في الوطن العربي»...
وكتب مدخله الدكتور عبدالعزيز صقر بعنوان «الأمن القومي العربي في واقعه وأبعاده»، وأعد الأوراق البحثية، كل من:
الدكتور أحمد ميزاب من الجزائر بورقة عمل بعنوان«خبرات التنسيق والتكامل بين الدول العربية في مجال الأمن الداخلي»، الدكتور محمد مجاهد الزيات من مصر بورقة «مستقبل التنسيق والتكامل العربي في المجالين الأمني والعسكري»، اللواء الركن محمد فرغل من الأردن وحملت ورقته عنوان «نحو بناء قوة عربية مشتركة كأداة رافعة للتكامل»، الدكتور مصطفى العاني من العراق.. وحملت ورقته عنوان«التكامل العسكري العربي: ضرورة حيوية في عالم متقلب». وجاءت أبرز التوصيات كالتالي:
1ـ التأكيد على أهميّة توّفر الإرادة السياسيّة لتفعيل العمل العربيّ المشترك عامّةً، والتكامل الأمنيّ والعسكريّ على وجه الخصوص.
2ـ التأكيد على أنّ الدول العربيّة تعاني من نقص واضح في مراكز الأبحاث والدراسات المتخصّصة في مجال الدفاع والأمن، وضرورة إنشاء المزيد من هذه المراكز وتوفير الدعم للمراكز القائمة، من أجل تعزيز دورها في رسم السياسات والمساعدة في اتّخاذ القرار.
3ـ ضرورة تحديد مصادر تهديد الأمن العربيّ على المستويين الوطنيّ والقوميّ، في ضوء المستجدّات، وضرورة تحديد الأولويّات على صعيد مواجهة هذه التحدّيات.
الأبعاد الاقتصادية
حمل الباب الخامس عنوان«التكامل العربي: الأبعاد الاقتصادية»، وكتب مدخله الدكتور أحمد السيد النجار بعنوان«نظرة عامة على التكامل الاقتصادي وقضايا إصلاح الاقتصادات العربية»، وأعد الأوراق البحثية، كل من: رمزي الحافظ من لبنان.. الذي قدم ورقة بعنوان «تحقيق السوق العربية المشتركة»، مجدي صبحي من مصر وعنوان ورقته «عناصر الإنتاج والتكامل الاقتصادي العربي»، الدكتور طه عبدالعليم من مصر..
وحملت ورقته عنوان «الصناعة التحويلية رافعة التنمية الاقتصادية العربية»، الدكتور محمد حركات من المغرب الذي قدم ورقة بعنوان «الفساد كأحد مسببات التدهور الاقتصادي والاحتقان الاجتماعي»، وجاءت أبرز التوصيات كالتالي:
1ـ ضرورة الحفاظ على وحدة التراب الوطني للدول العربية القائمة، والعمل على تطوير النظام الإقليمي العربي وتفعيله كإطار ناظم للعلاقات التكاملية وللاتفاقيات العربية في هذا الشأن..
وكإطار جامع للمؤسّسات القائمة على التكامل الاقتصادي العربي، مع ضرورة احترام الاتّفاقيات والالتزامات التي تنصّ عليها وتنفيذها بإعطائها قوّة إلزامية، والإسراع في تأسيس هيئة عربية لفضّ المنازعات الاقتصادية، وتأسيس آلية لتعويض المتضرّرين من تحرير التجارة.
2ـ إعطاء أولويّة قصوى لتطوير الصناعات التحويلية في إطار تكاملي عربي، لبناء الأساس الموضوعي للتكامل الاقتصادي القائم على تبادل المصالح وتعزيزه، مع ربط استراتيجية التنمية الصناعية بالسياسات الاقتصاديةـ الاجتماعية، وتوفير التمويل الضروري لهذا التطوير من خلال تعزيز دور مؤسّسات التمويل العربية..
فضلاً عن التعاون الثنائي ومتعدّد الأطراف بين الدول العربية في هذا الشأن، وتطوير البنية الأساسية والمعلوماتية لتسهيل تعزيز العلاقات الاقتصادية العربية على الأصعدة كافة، وإعطاء الأولويّة للعمالة المحلّية والعربية في أسواق العمل العربية لإدارة دولاب الاقتصاد وتحقيق التنمية الشاملة، وفي القلب منها التنمية الصناعية.
3ـ تعزيز الاستثمار العربي المشترك بين الدول المؤهّلة له في صناعات الآلات والمعدّات ووسائل النقل والصناعات عالية التقنية، للاستفادة من اقتصادات الحجم الكبير في حفز التصنيع والتكامل الصناعي العربي..
ونشر ثمار التصنيع في قطاعات الزراعة وغيرها من القطاعات الاقتصادية، لتحقيق نهوض اقتصادي شامل ينطلق من تطوير منظومات التعليم والتدريب والبحث العلمي والتطوير التقني، للارتقاء من التبعية إلى الاستقلال في هذا الصدد، مع ضرورة ربط التطوّر العلمي والتقني بعملية التصنيع، وخصوصاً في الصناعات عالية التقنية والقيمة المضافة.
يتألّف التقرير من ستّة أبواب، يختصُّ كلّ واحدٍ منها بجانبٍ من جوانب التكامل، أو عنصرٍ من عناصره، أو أداةٍ من أدوات تحقيقه. وفيما عدا بعض التباينات الطفيفة، فإنّ الباب الواحد يشتمل على نصّ تمهيديّ وأربع أوراق بحثيّة.
أمّا النصّ التمهيديّ فوضعه منسّق الورشة التي يرتبط بها البابُ المعنيّ، ونصّه يجمع بين الورقة الخلفيّة المرجعيّة، التي ضمنّها تصوّره للمسائل التي يمكن أن تتطرّق الورشة إليها- ورسمت بالتالي توجهّاتها وخطوطها الكبرى- وبين الورقة التوليفيّة التي استرجعت بصورةٍ مكثّفة ما فصّله المختصّون في أوراقهم البحثيّة من أفكار رئيسة..
وعرضوا مضامينها في جلسات ورش العمل، ثمّ راجعوها وأدخلوا عليها تعديلاتٍ وإضافات في ضوء الملاحظات التي أبداها الخبراء المشاركون في الورشة. وأدرج عدد من الوثائق الخاصّة بجامعة الدول العربيّة، كملاحق في آخر التقرير. ومع أنّ أبواب التقرير قائمةٌ بنفسها، ويشكّل كلٌّ منها ملفّاً مستقلّا،ً فإنها في حقيقة الأمر متكاملةٌ، مترابطةٌ متداخلة.
مكونات وتأثيرات
قدم الباب الأول من التقرير قراءة في الهوية العربية والتحديات الجوهرية التي تواجهها اليوم على الصعد الداخلية لأقطارنا العربية، وما تشهده من أحداث تؤثر في مكوناتها الاجتماعية والثقافية والسياسية والدينية والإثنية، فضلاً عن التطورات الإقليمية والدولية بالغة التداخل والتعقيد..
وجاء الباب الثاني وهو بعنوان «مشروع الدولة الوطنية» كمحاولة لقراءة التحديات التي تواجه الدولة الوطنية العربية، في مطلع القرن الحادي والعشرين، وما تفرضه قوى العولمة ومتطلبات الثورة العلمية والمعلوماتية ومستجدات التقانة التي قربت المجتمعات ودمجت الاقتصادات واخترقت الثقافات ..
وكانت لها انعكاساتها على سيادة الدول. وأبحر الباب الثالث «الثقافة العربية في إقليم مضطرب» في البحث في الإمكانات المتاحة للتكامل الثقافي العربي، وأنماطه المتنوعة ومجالاته كافة، في ظل قراءة للواقع الموضوعي، ولحال التفاعلات الثقافية العربية المختلفة والمتعددة المستويات والتركيبات والطبقات بخاصة في عالم الما بعديات المعولم والثورة الرقمية.
قوى وتوازنات
ركّز الباب الرابع على أهمية التعاون الأمني والعسكري في الوطن العربي، وذلك كضرورة تفرضها المتغيرات التي تشهدها المنطقة، فضلاً عن أهمية التوازن العسكري العربي المنشود في مواجهة تحديات بروز قوى إقليمية بأجندات خاصة تعمل على فرضها بالقوة.
وقدم الباب الخامس الذي حمل عنوان «التكامل العربي: الأبعاد الاقتصادية»، قراءة في الاقتصادات العربية الراهنة، ونقد أنماط التعاون التي أثبت الواقع أنها لا تزال على درجة عالية من التبعية للعلاقات السياسية، فضلاً عن دراسة إمكانية إحياء السوق العربية المشتركة، وانتقل لدرس عناصر الإنتاج (العمل ورأس المال)، وفرص التصنيع ومكافحة الفساد، كمدخل للتكامل الاقتصادي العربي.
وجاء الفصل السادس: «التكامل العربي.. جامعة الدول العربية»، منطوياً على تصورات جديدة لإصلاح الجامعة العربية، انطلاقاً من تعديل ميثاقها، والسعي من أجل التأسيس لمفهوم حقوق الإنسان، وربط هذا المفهوم بتحديث علاقة الجامعة بالشعوب العربية، عبر تأهيل المجتمع المدني وتطوير البرلمانات العربية، فضلاً عن ربط آليات الإصلاح بتجربة المنظمات الدولية الشبيهة.
قراءات في المكوّن والثقافة والدولة الوطنية
تضمنت برامج التقرير وجوانبه، ورشة حملت عنوان «جامعة الدول العربية: الواقع والمُرتجى»، وهو ما مثل فعلياً في التقرير، موضوع الباب السادس«من التقرير العربي الثامن للتنمية الثقافية»، إذ كتب مدخله الدكتور محمد الحسن ولد لبات من موريتانيا تحت عنوان «إصلاح الجامعة العربية من إصلاح النظام العربي»..
وأعد أوراقه البحثية: الدكتور عبدالحسين شعبان من العراق، السفير محمد الأمين ولد يحيى، الدكتور عبدالودود الهاشم من موريتانيا، الدكتور محمد تاج الدين الحسيني، الدكتور مجدي حماد من مصر. وجاءت أبرز التوصيات كالتالي:
1ـ ضرورة النظر بجدّية في العلاقة ما بين السيادة الوطنية للدول المستقلّة، مع التركيز على أهمية تعزيز صلاحيات الجامعة كمنظّمة يستحسن أن تُعزَّز في ميادين مُعيّنة، تفوّض فيها الدول الأعضاء الأمر إلى الجامعة، علماً بأنّ هذا التفويض لا ينتقص من سيادة الدول وإنّما يُشكّل تعزيزاً لتلك السيادة بتصوّر وإعمال سيادة جامعةٍ، كلّ الدول أعضاء مشاركون فيها ومُنفّذون لها.
2ـ مراجعة علاقة الجامعة بالشعوب العربية، ويتجلى ذلك في مراجعة بنية البرلمان العربيّ وطريقة عمله وآليات اتّخاذ القرار فيه، بل وإعطائه دوراً تشريعياً يتجاوز المهام الاستشارية المنوطة به حتّى الآن، وكذلك إعادة النظر في الميثاق العربيّ لحقوق الإنسان ونظام محكمة العدل العربيّة.
3ـ إعادة النظر في علاقة الجامعة العربيّة بالمنظّمات غير الحكومية المُمثّلة لطموحات المجتمع المدني المُتجدّد الناهض في البلدان العربية، وما يتطلّبه ذلك من اعتراف قانوني وشرعي بدور منظّمات المجتمع المدني الإيجابي والتشاركي.
6 ورش عمل في أسبوعين
خاضت مؤسّسة الفكر العربيّ تجربةً جديدة، وهي تتطلّع إلى أن تغدو تقليداً راسخاً في أسلوب عملها، إذ نظّمت طوال أسبوعين( من 31 أغسطس إلى 13 سبتمبر 2015)، 6 ورش عمل، بمعدّل 4 جلسات توزّعت على يومَين للورشة الواحدة، وخُصّصت كلٌّ منها لمعالجة جانب من جوانب مسألة التكامل العربيّ. والتقرير العربيّ الثامن للتنمية الثقافيّة الذي تضعه المؤسّسة بمتناول المعنيّين والمهتمّين، هو حصيلة الورش التحضيريّة الستّ.
مشروع فكري طموح وورش تأهيلية متواصلة
أشار الدكتور محمد الحسن ولد لبات من موريتانيا، في تقديمه لمدخل الباب السادس من التقرير العربي الثامن للتنمية الثقافية «جامعة الدول العربية: الواقع والمرتجى» إلى أنه نظراً لمكانة التكامل العربي في مركَّب التراكمات المعقّد ذاك..
ودور جامعة الدول العربية في المشروع النهضوي، يصبح التركيز -تحليلاً للواقع واستشرافاً للمستقبل- على تلك الأداة العربية التليدة في المنظومة المؤسّسية العربية، موضوعاً متميّزاً بكلّ المعايير. لافتاً إلى أنه تبنّت «الفكر العربي» في الصدد مشروعاً فكرياً طموحاً لمقاربة الموضوع، وجعلت منه - بين موضوعات أخرى- حجر الزاوية في «التقرير العربي الثامن للتنمية الثقافية».
ولذا نظّمت المؤسّسة ورشة رفيعة المستوى، في القاهرة يومَيْ 5 و6 سبتمبر 2015، في مقرّ الأمانة العامة لجامعة الدول العربية. شاركت فيها كوكبة من الخبراء العرب.
وثائق وبيانات شكلت قاعدة نظرية لعمل عربي فاعل
تضمن التقرير العربي الثامن للتنمية الثقافية، فصلاً بعنوان «الجامعة العربية: وثائق وبيانات»، احتوى على مجموعة من الوثائق، وهي: «ميثاق جامعة الدول العربية وملحقاته»، «الميثاق بنسخته التاريخية»، «بروتوكول الاسكندرية»، «معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي وملحقها العسكري»، «بروتوكول إضافي لمعاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي»، تقرير اللجنة المستقلة لإصلاح جامعة الدول العربية وتطويرها، ميثاق الوحدة الثقافية العربية. إضافة إلى «وثيقة التطوير والتحديث في الوطن العربي- قمة تونس 2014»، «قائمة تواريخ انعقاد القمم العربية»، و«قرار إنشاء السوق العربية المشتركة».