أبدعوا.. تميزوا، اختزلوا المسافات مع جمهورهم، ومن ثم نافسوا على واحدة من أهم الجوائز الأدبية على مستوى العالم العربي، ألا وهي »البوكر« العربية التي ترعاها هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة في دولة الإمارات العربية المتحدة؛ فحظوا بفرصة لا تتاح كثيرًا لغيرهم من حيث تسليط الأضواء العربية والغربية على إبداعاتهم.

وكذا إتاحة ترجمة أعمالهم لعديد من اللغات الرئيسة والتواجد بقوة في معارض الكتاب والمحافل الثقافية. عبر السطور التالية نتعرف إلى تجارب 6 أدباء وصلت رواياتهم إلى إحدى قائمتي جائزة البوكر، أو فازوا بها، وما إن كانت أضافتْ إلى إبداعهم أم انتقصتْ منه...

بداية، تحدث الروائي مكاوي سعيد، عن تجربة وصول روايته »تغريدة البجعة« إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر، وقال: تجربتي مع البوكر مختلفة لأنني شاركت في دورتها الأولى، ولم تكن الجائزة قد ذاع صيتها بهذا القدر الموجود الآن.

وكان التقليد حينذاك، هو إعلان القائمة القصيرة أولًا، ولم يتم الإعلان عن القائمة الطويلة، سوى مع الإعلان عن الفائز. وكانت روايتي حينها قد حققت 4 طبعات في أقل من ثلاثة شهور بمصر، لكن ما أضافته لي البوكر، هو الانتشار العربي.

وتابع سعيد: في العموم تتميز البوكر بأنها تضيف للعمل الأدبي الانتشار على مستوى الوطن العربي والخروج من المحلية، لأنها تتميز بوجود قطاع كبير من الجمهور والقراء والنقاد يتابعونها، وبمجرد الإعلان عن القائمة الطويلة، تبدأ عملية البحث عن عناوين هذه القائمة، وهو ما يؤثر بطبيعة الحال على انتعاش حركة البيع.

وأشار مكاوي سعيد إلى الانتقادات التي توجه للجائزة، قائلاً: هناك بعض الكُتاب يتقدمون إلى الجائزة، وإن لم يحالفهم الحظ، يبدؤون في شن حرب على لجنة التحكيم، وانحيازها، ولكن في الحقيقة أن هذا خطأ كبير، لأن الفوز بـ»البوكر« ليس معيارا للقــــيمة الأدبية، لأن الجائزة تخضع لذائقة لجنة معنية، وعلى الأدباء طالما تقدموا للمـــسابقة، أن يرتضوا نتيجتها.

إحساس بالنشوة

تحدث الروائي أمير تاج السر عن تجربته مع جائزة البوكر، خاصة وأن روايته »صائد اليرقات« وصلت إلى القائمة القصيرة عام 2011م، بينما وصلت روايته الأخرى »366« إلى القائمة الطويلة عام 2004م.

وقال: بالتأكيد أعتبر جائزة البوكر من الجوائز الكبرى والمهمة عربيًا، وهي أول جائزة ذات قيمة وصلت إلى الوطن العربي واستطاعت الرسوخ سريعًا؛ كونها جائزة قديمة في بريطانيا وذات تقاليد، وحقيقة كنا بحاجة إلى مثل هذه الجائزة، والكتابة الإبداعية كانت -ولا تزال- لا تأتي إلا بعائد قليل للمبدعين، ولا أعني المادي فقط؛ بل العائد الأدبي أيضًا.

وتابع تاج السر: أحدَثَ وصول البوكر ورسوخها بعد ذلك حقل جذب كثيفًا، شد إليه المبدعين من كل الأجيال، وأصبحت المشاركة السنوية حتمية لدى البعض.

ومن نتيجة ذلك زاد عدد الروايات التي تصدر سنويًا وزاد عدد دور النشر ولم يعد كل من يود الحصول على هذه الجائزة أو إلى إحدى قوائمها يهتم بما يكتبه، أو إن كان أصلًا كاتبًا أم لا، الكل يكتب ويكتب فقط على أمل؛ لكن رغم ذلك لا مشكلة، فمجرد وجود الجائزة في حياتنا الأدبية كافٍ للإحساس بالنشوة، والأدب له كيان، أما ما يكتب فدائما يبقى الجيد منه ويختفي الرديء.

إضافة وانتشار

تحدث القاص والروائي أشرف الخمايسي عن تجربته مع جائزة البوكر، خاصة أن له روايتين وصلتا إلى القائمة الطويلة، هما »منافي الرب« 2014م و»انحراف حاد« 2015م، فقال: تجربة وصولي إلى القائمة الطويلة مرتين كانت مفيدة بالنسبة إليّ، خاصة مع رواية »منافي الرب«.

حيث أضافت الجائزة للرواية قدرًا أكبر من الانتشار واكسبته جمهورا عريضا، ربما كان يتطلب سنوات لتحقيقه في الأحوال العادية، لكن الجائزة اختصرت هذه السنوات بمجرد إعلان قائمتها الطويلة.

وأضاف الخمايسي: بشكل عام، الوصول إلى قائمتي جائزة البوكر، الطويلة أو القصيرة، أو الفوز بها، حتمًا يضيف إلى العمل الأدبي من ناحية الانتشار.

وليس من ناحية القيمة؛ لأن هناك أعمالًا روائية قيمتها الأدبية أعلى ولكنها لا تشارك في الجائزة؛ ولذلك نحن هنا نتحدث عن الانتشار، وأيضًا زيادة معدل القراءة بمجرد وصول رواية ما إلى القائمة الطويلة للبوكر. كذلك فهي تضيف إلى الكاتب؛ إذ تُلفت نظر دور النشر الكبيرة إليه.

وتابع قائلًا: أتمنى للمسابقة مزيدًا من التوفيق في أن تنتصر للإبداع في المقام الأول؛ لأنها مهمة وبناءة.

2015

الروائي السوداني حمور زيادة، الذي وصلت روايته »شوق الدرويش« إلى القائمة القصيرة لـ»البوكر« عام 2015م، قال: تجربتي مع جائزة البوكر كانت إيجابية جدًا، ليست فيها سلبيات تذكر؛ وبالعكس قدمتني إلى جمهور عريض خارج الدوائر القريبة في مصر والسودان، فقدمتني للقارئ الخليجي أولًا وللقارئ العربي ثانيًا، بعيدًا عن منطقة وادي النيل، وهذا جمهور كان الوصول إليه يحتاج الكثير من الجهد والحظ.

وأضاف زيادة، ان الجوائز الأدبية في العموم تشكل إضافة نوعية للعمل الروائي وللكاتب، وان البوكر على وجه الخصوص باتت من أكبر الجوائز العربية وأوسعها صيتًا؛ فهي تضيف -بلا شك- إلى الكاتب من حيث حصول عمله على التقدير. وهناك إضافة للرواية؛ إذ تجعلها واسعة الانتشار. فالجوائز، مهما قيل فيها، تظل واحدة من مرشحات القراءة عند جمهور واسع من القراء.

فرص إبداعية

وعن تجربة وصول روايته »جرافيت« إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر عام 2015م، وكذلك ترشيح روايته »تلال الأكاسيا«، تحدث الروائي هشام الخشن قائلًا: بالتأكيد هو شيء إيجابي في حد ذاته، وكانت سعادتي خالصة بهذا الخبر حينذاك، وسأستمر في التقدم إلى الجائزة؛ خاصة وأن »البوكر« جائزة محترمة ومكانتها رفيعة بفضل معاييرها واهدافها القيمة، وإن لم أكن مقتنعاً بها لما ترشحت إليها مرتين.

وأضاف الخشن، إن »البوكر« بشكل عام تضيف إلى الكاتب قيمتين: الأولى معنوية، باختيار عمله الأدبي ضمن أفضل 16 رواية على مدار العام، والأخرى أنها تجعل قطاعًا كبيرًا من المهتمين بالشأن الأدبي يتعرفون على روايته على مستوى الوطن العربي.

أما على مستوى القراءة، فهذا يعود إلى عوامل عدة؛ منها جودة الرواية، وحالة القراءة في البلد التي ينتمي إليها الكاتب، أو التي يتم توزيعها فيها وغيرها. لكن، بصفة عامة، لا يمكننا إنكار أن البوكر تضيف انتشارًا كبيرًا للعمل الأدبي.

تسليط الضوء

تحدثت الكاتبة والروائية منى الشيمي عن تجربتها السابقة في جائزة البوكر العربية ووصول روايتها »بحجم حبة عنب«، الصادرة عن دار الحضارة، إلى القائمة الطويلة للجائزة عام 2015م، قائلة:

روايتي »بحجم حبة عنب« كان من الممكن أن تمر دون انتشار ملموس، مثلما حدث مع رواياتي الثلاث السابقات؛ فرغم حصولها على جوائز أدبية من الشارقة ونادي القصة المصري وهيئة قصور الثقافة، لكن يبقى لجائزة »البوكر« تحديدًا بريق يُلفت انتباه الإعلام والقراء للروايات الفائزة بها؛ ولذلك حققت »بحجم حبة عنب« انتشارًا أكبر من رواياتي السابقة بفضل »البوكر«.

وأضافت الشيمي: بشكل عام، انتشار الروايات في الوطن العربي مرتبط بصعودها إلى قوائم البوكر، وذلك لأن الإعلام والصحافة يلعبان دورًا كبيرًا في هذه المسألة؛ بداية من الكتابة عن الروايات المرشحة، ثم تجهيز تقارير عن روايات القائمة الطويلة، ثم بداية التوقعات للقائمة القصيرة، ثم تخمينات النقاد والقراء للرواية الفائزة.

وكل ذلك ينتج جدلًا لصالح الروايات المرشحة فيتم توجيه القراء إلى هذه الروايات فيبدؤون في البحث عنها وقراءتها؛ حتى انه أصبح هناك جيل كامل من القراء ربط نفسه بنتيجة الجائزة، وهذا كله يصب في صالح روايات »البوكر« حتى وإن كان مستواها الأدبي غير جيد.

خطوة جيدة

حكى الروائي الشاب محمد ربيع عن تجربة وصول روايته »عطارد« إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر لعام 2016م، مؤكدًا أن البوكر تمنح العمل الأدبي فرصة أكبر في الانتشار على مستوى العالم العربي، مثل رواية »عطارد« التي حققت انتشارًا كبيرًا لم تحققه روايتاه السابقتان.

وأضاف: لذلك فإن الترشح إلى البوكر كان خطوة جيدة بالنسبة إليّ، كما انها مكنتني من السفر إلى الإمارات وحضور معرض أبو ظبي للكتاب والتعرف على ثقافة الشعب الإماراتي المبتسم دائمًا، والذي أحسن ضيافتنا.

وتابع ربيع: إن وصول أي عمل روائي إلى البوكر يعد خطوة جيدة ومهمة في مسيرة أي كاتب؛ لما تمنحه من انتشار لعمله الأدبي.

وكـــذلك تعطيه دفعة معنوية كبيرة. وأضاف الروائي ربيع، إن »البوكر« أكبر جائزة عربية تساهم في تحريك حجم مبيعات الروايات المرشحة لها، رغم أن قيــــمتها المادية أقل من جوائز أخرى كجــــائزة الشيــخ زايد للكتاب؛ لكن تظل »البوكر« المُحرك الأول لدفع حركة مبيــعات الأعمال المرشحة إليها.

دفعة إلى الأمام

في السياق ذاته، تحدث القاص والروائي الشاب محمد عبدالنبي عن تجربته مع جائزة البوكر ووصول روايته »رجوع الشيخ« إلى قائمتها الطويلة عام 2013م فقال: بالتأكيد كان وصول روايتي »رجوع الشيخ« إلى القائمة الطويلة بمثابة دفعة إلى الأمام، خاصة أنها روايتي الأولى؛ فكان الترشح إيجابيًا، والخروج منها كان سلبيًا بطبيعة الحال.

وتابع عبدالنبي، إن تجربة الترشح أو الحصول على أي جائزة تجربة إيجابية عمومًا وتمثل خطوة إلى الأمام في مسيرة كل كاتب، وهو ما ينطبق على جائزة »البوكر« حــــتمًا؛ فهـــي تمنح العمل الأدبي دفعة انتشار ودعاية والوصول إلى مزيد من القراء في وقت قصير، لكنها في الوقت ذاته لا تضيف إلى العمل قيمة أدبية.

قيمة ومحاذير

أكد الناقد الأدبي د.حسين حمودة، في سياق عرضه لرأيه في الجائزة، أن البوكر تكتسب أهمية خاصة بسبب معاييرها النوعية ولمشاركة الأسماء الروائية الكبيرة فيها؛ لأنهم يضيفون إلى الجائزة مزيدًا من الرقي والاحترام.

وأشار إلى الدعوات التي تنادي بمقاطعة الجائزة كل عام عقب إعلان النتيجة، وقال: المقاطعة تعني التخلي عن إحدى الفرص المهمة لتنشيط العملية الروائية في الوطن العربي، خاصة وأن البوكر إحدى أهم الجوائز العربية التي تسلط الضوء على العمل الأدبي وينتظرها الإعلام والنقاد والقراء معًا.

2007..تاريخ رسخ مكانة وحضور الرواية العربية

الجائزة العالمية للرواية العربية، جائزة سنوية تدار بالشراكة مع مؤسسة جائزة »بوكر« البريطانية في لندن، وبدعم من هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة في الإمارات العربية المتحدة. وأُطلقت الجائزة في أبوظبي في أبريل 2007، وتهدف إلى ترسيخ حضور الروايات العربية المتميّزة عالميًا.

وولدت فكرة الجائزة باقتراح من الناشر المصري إبراهيم المعلّم والناشر البريطاني جورج وايدنفلد، لتأسيس جائزة مشابهة لجائزة »المان بوكر« الأجنبية التي حقّقت نجاحًا بالغًا؛ مما قد يشجّع تقدير الرواية العربية المتميّزة ومكافأة الكتّاب العرب، ويؤدّي إلى رفع مستوى الإقبال على قراءة هذا الأدب عالميًا من خلال الترجمة.

لجنة تحكيم تضم نقاداً وروائيين وأكاديميين عالميين

يعين مجلس أمناء الجائزة سنويًا، لجنة تحكيم تتألف من خمسة أشخاص، وهم نقّاد وروائيون وأكاديميون من العالم العربي وخارجه. يقدّم الناشرون الروايات الأدبية المتوافّرة لديهم، والتي جرى نشرها خلال العام السابق، ويقرأ أعضاء لجنة التحكيم كل الروايات المرشّحة.

وربما يزيد عددها على المئة رواية، ويقررون بالتوافق قائمة مرشحين طويلة تضم ستة عشر عملًا روائيًا، ويجري تصفيتها بعد ذلك إلى قائمة قصيرة تضم ستة أعمال أدبية، ثم فائز واحد بالمركز الأول يحصل على 50 ألف دولار، بينما يحصل الصاعدون إلى القائمة القصيرة على مبلغ 10 آلاف دولار، ومن أجل ضمان نزاهة الجائزة لا تُكشف هويات أعضاء لجنة التحكيم، حتى موعد الإعلان عن القائمة النهائية.