كنت أسير في "الغران فيا"، عندما شاهدت امرأة ضئيلة الحجم بيضاء البشرة وحسنة الهندام، تستجدي المارة أن ينفحوها بعض النقود. ولدى اقترابي منها، طلبت مني بضع قطع نقدية لتشتري بها شطيرة. ولم أعطها. لكنها رمقتني بنظرة تركت في نفسي شعوراً غريباً.

مضيت إلى فندقي، وفجأة استشعرت دافعاً للعودة ونفح المرأة بعض النقود..عدت الى المكان نفسه. ولم تكن هناك. فمضيت أبحث عنها في الشوارع القريبة. لكن عبثا، فما عثرت عليها، ذلك حتى في اليوم التالي.

جافاني النوم، مذاك. عدت إلى البرازيل وأبلغت صديقة لي بتجربتي. فنصحتني أن أطلب عون السماء. ومضيت أدعو. وبدا أنه يتناهى إلى سمعي صوت يقول، إنني بحاجة ماسة إلى العثور على المرأة الشحاذة مجدداً. وواصلت الاستيقاظ في الليل والانخراط في البكاء. وأدركت أنه لا يمكنني المضي على هذا النحو. ولذا ادخرت ما يكفي من المال للسفر إلى مدريد، للبحث عن هذه المرأة.

بدأت ما يبدو أنه بحث لا ينتهي.. لكن الوقت كان ينقضي، ومالي راح ينفد. واليأس تملكني. وهكذا مضيت إلى وكيل السفر لتغيير موعد رحلتي إلى الديار.. وبينما كنت أخرج من مكتب السفريات، تعثرت في درج وارتطمت بأحد ما.. إنها المرأة التي أبحث عنها! تلقائيا، وضعت يدي في جيبي، وانتزعت النقود التي كانت فيها ومددت يدي بها إليها. وغمرني شعور عميق بالسكينة، وشكرت الله على هذا اللقاء الثاني الذي لم نتبادل فيه كلمة واحدة.

عدت، عقبها، إلى إسبانيا، مرات عدة، وأنا أعرف أنني لن ألتقي تلك المرأة أبداً، ولكني فعلت ما طلبه فؤادي مني.