منذ أغنيتها (ع هدير البوسطة) لم ينقطع جدل: فيروز الأمس أم فيروز المعاصرة؟ وبين الزمنين مرت فيروز بنقلات لافتة أبرزها (إيه في أمل) وقبلها (سلملي عليه) حيث بدأت تتأخر فيروز الرحابنة وتتقدم فيروز جديدة، لكن مهما اختلفت أساليب الألحان، ظل الصوت ناشباً كالرمح.

بعد سبع سنوات من الغياب عادت فيروز (82) عاماً بألبوم جديد حمل عنوان «ببالي»، فيه مزيج من أغنيات عالمية شاعت لمغنين مشهورين، أمثال البريطاني جون لينون والفرنسي جان كلود باسكال والأميركي فرانك سيناترا، حيث اللحن المألوف حمل المستمع إلى البحث في ذاكرته عن أغنية (My way) التي تمت «لبننتها»، عبر مونتاج ريما ابنة فيروز.

خبر ألبوم فيروز طغى على حقيقة أخرى ربما لا يريد أحد التصريح بها، وهي الصوت المتعب الذي هزت أوتاره سنواتها الثمانين، حيث اعتمدت على جمل لفظية قصيرة سهلة الخروج من الحنجرة دون مد أو إطالة، وإن كان لابد من ذلك فإن مفاتيح البيانو كفيلة بتعبئة الفراغ الذي ينقطع فيه الصوت.

ليس من الحكمة الكتابة عن فيروز(نا) بهذا الوضوح وسط ملايين العشاق الذين لا ينزلونها من بريقها، لكنها حقيقة مؤلمة أن ألبوم «ببالي» أعاد فيروز إلى دائرة الحديث الفني والإعلامي، ولكنها عودة محفوفة بالأسئلة عما قدمته أو أضافته أسطورة الغناء إلى تاريخها.

إن ارتباط الذائقة العربية (الشامية) بالدرجة الأولى، بفيروز الصباح ارتباط مقدس لا يمكن أن يهتز، فقد تأسس هذا الارتباط في زمن مختلف، زمن خمسينيات وستينيات وحتى منتصف سبعينيات القرن الماضي أو ما اعتاد الأشقاء في مصر على تسميته بـ «الزمن الجميل»، وهو الزمن الذي انضمت إليه فيروز منذ حليم الرومي وعاصي ومنصور وفيلمون وهبي وزكي ناصيف، وصولاً إلى عبد الوهاب ومحمد محسن، حيث أصبح الفرق شاسعاً بين الغناء والمغني، وبات لكل عاشق مطرب يسلوه.

زمن فيروز زمن جميل فيه شجن لن يتكرر، كما أن فيه طاقة وجدانية عصية على الوصف، وعندما يعجز اللسان عن وصف حالة ما، فهذا يعني «صمت أبلغ من كلام».