لا بد من تسليط الضوء على تاريخ العراق المشرق في النصف الأول من القرن الماضي في زمن النظام الملكي، والواقع أن صوراً مشرقة عدة يمكن تناولها لذلك المجتمع المتطور جداً، قياساً بما يحدث الآن.
صدقوا، أنه قبل سبعين عاماً، وتحديداً عام 1947، كان العراق يشارك في تصفيات ملكات الجمال، وقد فازت على سبيل المثال رينيه دنكور لتصبح ملكة على هذا العرش ورغم ظروف الأربعينيات الاجتماعية في القرن الماضي، فإن المجتمع المدني احتفل بهذه الملكة وتوجها ملكة لجمال المرأة العراقية.
مجتمع الأربعينيات ذاك كان يحاول أن ينفتح على إيقاعات عصر آخر لا تكبله الأوهام، مجتمع يفتح قلبه للحياة فيكسر دائرة الانغلاق ويحمل معه الورد البلدي والبنفسج، وتلبس فيه المرأة الحرير و«التفتة» التي تغنى بها نزار قباني، مع ازدهار في الحياة الأدبية والثقافية والفنية، ونموذج للديمقراطية العربية الأولى، حينذاك، وإن لم تكتمل.
رينيه دنكور عراقية من بغداد تعود صورتها اليوم لتذكرنا بصورة الأربعينيات من القرن الـ20، وبأن الجمال والحب وسيلتنا لهزيمة القبح والظلام، وإمكانية وضع نهاية للمجتمع الطائفي المتخلف.
تصوروا أن الجمال ظل مختبئاً طيلة سبعة عقود ليظهر ثانية مطرزاً بماء دجلة والفرات وهامات رؤوس جبال كردستان العراق ومصايفها الغناء، وهي شاهدة على عصر امتاز بالوحدة الوطنية وبراءة الإنسان وتطلعات الشباب.
رينيه من بغداد، وأهل بغداد يدللون المرأة كثيراً (وتبغدد علينا واحنا من بغداد)، كما يقول كاظم الساهر. صورتان متناقضتان، بغداد في النصف الأول من القرن الماضي، وعراق اليوم المهدد بالانقسام والتشرذم، والذي يسوده، اليوم، مد طائفي وعرقي وحرب ضروس وفقدان للأمان والأمن، إلى جانب واقع أن سيلاً من الدم يلوث شوارعه وكأنما الجمال والحب هربا من بيوتنا .
ومن وطننا وحل محلهما الدمار والحقد، فبدلاً من ملكات الجمال احتل شوارعنا لصوص سرقوا حتى الهواء النقي من الأجواء، ولوثوا كل شيء.حين أتذكر هذا الإرث إنما أريد الإشارة إلى أي مدى تراجعنا وتأخرنا (وضيعنا المشيتين)، وما عدنا نعرف قيمة وطننا ولا مكانته ولا تقدمه ولا حضارته، وكأنني بالأغنية العراقية (بيدي جرحت ايدي.. وسموني جريح الأيد).