في عربة قطار الصباح المتجه من باريس إلى فرانكفورت، وجد أكثر من أربعين ناشراً فرنسياً كانوا في طريقهم إلى معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، الذي أغلق أبواب دورته الـ 69 أول من أمس، وقد احتفى هذا العام بالثقافة الفرنسية، كما جرت العادة في كل عام، أن يحتفل المعرض بإحدى الثقافات حول العالم كضيف شرف، كان العرب نصيبهم من هذه الاحتفالية عام 2004، حيث شاركوا بشكل خجول.

الفرنسيون بدؤوا احتفالهم من القطار، حيث وضعت إدارة القطارات ملاحظة للمسافرين، تُخبرهم بأن أربعين ناشراً يمثلون أبرز دور النشر الفرنسية في العربة الفلانية لمن يرغب الالتقاء بهم من المسافرين، وزادوا أيضاً، حين أعلنوا أن ذات القطار فيه أعضاء لجنة جائزة غونكور (أشهر الجوائز الأدبية الفرنسية)، في طريقهم إلى معرض فرانكفورت، ويمكن لمن يرغب من المسافرين أن يلتقيهم في العربة الفلانية.

ولم تكتفِ مصلحة القطارات بالترحيب بمن يمثلون ثقافة فرنسا فقط، بل وزعوا على مسافري تلك الرحلة، رواية (فلنجعل السماء أكثر اتساعاً) للكاتب الفرنسي فرانك بويس،

الذي فاز بجائزة السكك الحديدية الفرنسية، حيث تمنح مصلحة القطارات جائزة أدبية تشجيعاً على القراءة، وتعزيزاً لدور الكلمة في رفقة مسافات السفر، خاصة الرحلات الطويلة، حيث يحلو للكثيرين القراءة في وسائل المواصلات العامة.

لم يكن مشهد المعرض أقل من مشهد عربة القطار، فقد جاء مثقفون فرنسيون يرافقون ناشريهم، ويوقعون كتبهم ويتواصلون مع قرائهم، مثقفون بارزون عدد منهم من جذور عربية، لكنهم يكتبون بالفرنسية، وبعضهم تبلغ شهرته أضعاف شهرة كتاب فرنسيين أباً عن جد، وفي أروقة الجناح الفرنسي، كانت أناقة عرض الكتب لا تقل عن جرأة تصدير الثقافة للعالم من عاصمة النور.

ويبدو المشهد مألوفاً جداً أن يستقبلك ناشر فرنسي في جناحه بقطعة حلوى سكاكر أو شكولاته، ولكن ليس من المألوف أن يستقبلك ناشر مشهور بطماطم صغيرة، أو ما يطلق عليه (الطماطم الكرزية)، وهي ذات الطماطم التي يمكن أن يراها المرء في السوبر ماركت، لكن مذاقها مختلف عندما تقدم للزائر كأنها قطعة حلوى.

تلك الجرأة تعزز ثقافة التمايز والاختلاف وكسر المألوف في مشهد يخرج عن السائد، لأنه قادم من عاصمة النور، قطعاً هذا ما لن نفكر به أبداً مهما بلغت بنا الحداثة.