ما الذي يجعل من معرض الشارقة الدولي للكتاب حدثاً كبيراً في عالم الثقافة، هل لأنه الأعرق في المنطقة، أم لأنه يوسع من فعالياته عاماً بعد عام، أم لأنه نال الاحترام والتقدير لجدّيته في نشر الثقافة وتعميمها على نطاق واسع في المجتمع، أم تراه لأسباب كثيرة أخرى جعلته مشدود القامة؟

معارض الكتب حول العالم تحقق حضورها حسب بُعدها اللغوي، مثلاً كل ناشري العالم الفرانكفوني يحرصون على المشاركة في صالون الكتاب الفرنسي بباريس، وكل ناشري الأدب الإسباني لا يفوتون معرض (غوادالاخارا) للكتاب في المكسيك، وكذلك الحال بالنسبة لمعرض لندن للكتاب، أو معرض فرانكفورت والحضور الطاغي للغة الإنجليزية، لأن الحرص على المشاركة يأتي من قوة الكتاب اقتصادياً، ولذلك نرى معارض كبرى لا تبيع الكتب للقراء، بل تبيع الحقوق للناشرين حول العالم، حيث الترجمة والنشر المشترك والعقود والصفقات، وصولاً إلى التسويق وطرق التصنيع ونوعية الورق وكل ما يتصل بالكتاب كصناعة، ناهيك عن الكتاب الرقمي الذي يسبح في محيط مختلف من الصناعة والترويج.

لكن في معرض الشارقة للكتاب يشعر المرء بسطوة ناعمة للقراءة، والتي تتجسد عبر طقوس اجتماعية تحميها ثقافة الأهل الذين يحرصون على اصطحاب أطفالهم لمعايشة الكتب وتلمس أغلفتها وتصفحها، مما يجعل المشهد مدعاة للفخر أن الأجيال تتواصل وتقرأ، والكتاب مازال حاضراً في بيئة تقدره، وهو يعني أن حكم (الناس لا تقرأ) أو (لا تشتري الكتب)، ليس حكماً دقيقاً، الشكوى هي قلة عدد ساعات القراءة أو قلة عدد النسخ المباعة، أي بمفهوم النسبة والتناسب، ومن باب المقايسة، لا يمكن مقارنة قراء العربية بقراء الإسبانية، نظراً للظروف الخاصة في كل منطقة، وعلى سبيل المثال لا زالت الأمية تضرب مناطق عربية كثيرة، بينما لا نجد هذا في أميركا اللاتينية، فما بالنا بالأمية الثقافية!

ما يشكله معرض الشارقة للقارئ هو المثابرة والجدية التي أثمرت عن احتلاله رقماً متقدماً بين معارض العالم، وتحوله من معرض قليل العناوين إلى معرض يطرح آلاف العناوين في كل دورة، ويستضيف الأسماء اللامعة، ويحتفي بالثقافات حول العالم، وهذا ما أهله ليكون حدثاً اجتماعياً يتعزز عبر مشهد عائلي نادر في محافل كهذه.