يتساءل المرء، وقد تكدست كتب كثيرة حوله، معظمها جاء من أصدقاء أو مهداة من ناشرين أو مقتناة من أروقة المعارض والمكتبات، ويتساءل من أين يشحذ الوقت للاطلاع عليها أو لمعرفة مضمونها على الأقل.
في بعض الحالات الفردية يمكن للمرء أن يقرأ بمعدل ألف كلمة في الدقيقة بعد خضوعه لعملية تدريب وتطوير للمهارات، وكثيراً ما نجد إعلانات عن تطوير مهارات القراءة على أيدي مدربين يحملون ألقاباً من معاهد عالمية تعمل على تطوير قدرات البشر، غير أن الكثيرين أيضاً لا يجدون متعة في الجري خلف الكلمات، لأن الهدف هو المزيد من المعرفة لمزيد من السعادة والمتعة، لذلك يتمهلون في القراءة، وخاصة تلك القراءات التي تحمل كلماتها المزيد من المعاني والمترادفات.
وبين تلك الأكداس مئات من الكتب التي تتفاوت في قيمتها المادية ومحتواها الذي يستحق التوقف عنده، لكن من يفرز الغث عن سواه من الكتب، حيث إن القيمة الأكيدة أن أي كتاب يُطبع بَذَل فيه مؤلفه جهداً وصرف فيه وقتاً، ناهيك عن الناشر والطابع وسواهما من الذين أوصلوا عصارة الفكر إلى هذا المقام.
حكاية أكداس الكتب تتكرر من معرض إلى آخر وتدور دورة عام كامل، وبعضها يظل حبيس طيته، والآخر ينتقل من المكتبة إلى الأريكة إلى طاولة قرب السرير ويدور الزمن حول عناوين تتكدس، عن حروب وروايات وأشعار وقصاصات هاربة من عالم «السوشيال ميديا»، إلى جانب كتب نقدية ـ وما أقلها ـ وكتب أخرى فيها سير ذاتية وقصص نجاح أو تجارب شخصية غيرت مجرى نهر الحياة.
كم من الوقت يحتاج إليه المرء في هذا اللهاث حتى يجد كتاباً ينهيه قبل زحمة العمل وتكدس المشاغل، وكم من الكتب التي تسرق المرء من التلفزيون إلى صفحاتها، وكم من الصفحات تشق طريقها نحو الذاكرة لترسخ فيه.
أسئلة كهذه رهينة عالم السرعة الذي يحكم إيقاع بعض المدن، لأن المدن الهادئة تصادق القراءة وتصنع التأمل، في حين تشدك المدن الصاخبة نحو زمن سريع لتنجز في يومك أضعاف طاقتك، حينها تبحث عن زمن القراءة، فتجد أكوام كتبك تناديك لتسامرها، إن بقي زمن السمر.