تتكئ نصوص الشاعرة وداد نبي على مفردات بسيطة من متروكات الحياة ومهملات الزمن التي تعيد تشكيلها في نص يضع القارئ أمام حيرة كتابة جديدة تنتمي إلى حساسية قصيدة النثر بمنجزها السوري، منذ أورخان ميسر وصولاً إلى جيل الحرب مروراً بتجارب إسماعيل عامود ومحمد الماغوط دون أن ننسى تجارب شعراء سبعينيات قصيدة النثر، أمثال رياض صالح الحسين وبندر عبد الحميد مروراً بتجربة ملتقى جامعة حلب، حيث مضت قصيدة النثر نحو ترسيخ حضورها بقوة في المشهد السوري واللبناني، ومن خلفها المشهد العربي، لتكون من ألمع التجارب بين شعراء قصيدة النثر.

من مجموعتها «الموت كما لو كان خردة» التي تحمل في أعلاها الرقم 20 من سلسلة شهادات سورية، وفي الداخل تشير إلى دار نشر تحمل اسم بيت المواطن للنشر والتوزيع، دون أن ننسى لوحة الغلاف للشاعر والفنان السوري منذر المصري الذي أعطى لوحته الزرقاء الداكنة خطوطاً طفولية عميقة المعنى، وكأنها تشرح الديوان من الداخل، هذا المقطع على سبيل المثال: «يدكَ العالقة على جرس بيتك القديم، من يخبرها: المنازل ليست لمن رحلوا عنها».

هذه النصوص الغنية بمحتواها الإنساني تحيل القارئ إلى عالم من التأمل الناعم في علاقات تتعاضد فيها مشاعر البشر بمفردات المكان، علاقة من حنين وأخرى من شجن وثالثة من أسى.. وهكذا تمضي النصوص نحو زفرات من الحزن المغلف بنبالة الكرماء عندما تسقط هيباتهم وتاريخهم في طين الطرقات، لكنهم لا يذرفون دمعة حزن بينما دموع القهر ترسم أنهارها في قلوبهم.

من الصعوبة بمكان الكتابة عن قصيدة نثر ذات حساسية شخصية، كما لو كانت أغنية أو قصة، أبداً انها قطعة من شجن الروح أي كتابة عنها ستبدو هشة قياساً بما ينجزه الشاعر في قصيدته، إذ لا يمكن مقاربتها أو مقايستها بما يشبهها من منجز شعري سابق، كما لا يمكن استخدام أداة نقدية قديمة لنص شديد الحداثة، ولذلك سيطل الظلم برأسه من أي محاولة مماثلة، وعليه ربما يكتفي القارئ لهذا النوع من الشعر أن يستمتع وحيداً بنص يشبه شيئاً ما يعرفه وليس بالضرورة أن يتشارك الجميع فيه كما لوكان جوقة فرح في مسرحية ضاحكة، لأن الشعر (أي شعر) نشيد ذاتي حزين الشراكة فيه قليلة رغم حيواتنا المتشابهة.