تظهر الاستطلاعات يوماً بعد آخر أن الكتاب الورقي لا يزال منتصراً في صراعه مع الكتاب الإلكتروني، أو كتاب الـ«كيندل» القارئ الإلكتروني كما صحت تسميته عبر السنوات الماضية، حيث هناك الملايين حول العالم الذين يرون في ملمس الورقة متعة شخصية تشبه رشفة القهوة الأولى، أو ملامسة شمس الصباح لوجه من استيقظ تواً.
خلال سنوات طويلة منذ الغزو الرقمي لعالم النشر، ظن كثيرون أن الغلبة للعالم الافتراضي، وإن كان هذا حاصلاً في مواقع أخرى، فإن في عالم الكتب كما عالم الصحف، لا زالت الناس تثق بالمطبوع وتمنح بركتها للكلمة التي فيها رائحة الحبر، وعليه سوف نجد كثيراً من دور النشر قد زادت من عدد النسخ التي تطبعها من الكتب وترسلها حول العالم على أجنحة عشرات اللغات.
وفي عالم الأخبار ترى الميل يذهب نحو الصحف، حيث تثق الناس بما تلمسه بيدها من أخبار وتشتم رائحتها، أكثر من أخبار المواقع وغيرها من العوالم الافتراضية التي حاولت سرقة القارئ الواقعي مثلما حاولت استقطاب رأس المال البشري لتزيد دخلها المادي، لكن عقلية الإعلان حول العالم لا تزال تراهن على العالم الواقعي لترويج المنتجات وترغيب الناس في شرائها.
على الضفة الأخرى من النهر، لن يعجب أنصار البيئة ما أفرزته نتائج استطلاعات الرأي، حيث الأغلبية مالت نحو الكتاب الورقي، مما يعني دورة طبيعة عمرها مئات السنين وملايين الأشجار التي ستكون ملعباً لملايين الكلمات، وهو يعني أيضاً عمليات تدوير تعيد إنتاج ما استهلكه الناس، وليس بالضرورة الحصول على مواد بكر من عالم الطبيعة، أي الكتاب ذاته يعاد إنتاجه مرة أخرى.
من المشاهد الجميلة المألوفة في العوالم المتحضرة مشاهدة الناس تقرأ في المقاهي وعلى مقاعد الانتظار وفي عربات النقل، ولطالما سجل المرء لحظات انسجام بين القارئ والكتاب، لحظات تعزله عن محيطه وعن ضجيجه، قارئ منشغل بكتابه ومعرفته.
وفي المحصلة العامة يخلق حالة توازن إيجابي تشبه التصالح مع الذات، الكتب تفعل أكثر من ذلك، والقارئ الذي يقرأ بروحه ومشاعره يجد في الكتاب الورقي خير أنيس، لا يعكر الجلسة ولا يقاطع المتحدث، أنيس صامت لكن صمته أبلغ من الكلام.