أغداً ألقاك، واحدة من أجمل أغاني أم كلثوم للشاعرالسوداني الهادي آدم، يقال أن الشاعر كان طالباً في جامعة القاهرة بمصر، ربطته علاقة حب كبيرة مع فتاة مصرية كانت زميلته في الدراسة واتفقا على الزواج، فعندما تخرج في الجامعة تقدم إلى أهلها لخطبتها، إلا أن الأهل كالعادة في مثل هذه الأمور رفضوا رفضاً شديداً، واستمروا في الرفض بعد تدخل كل الوساطات التي تبرعت لإقناع الوالدين.
وحينما لم تفلح هذه الوساطة قرر العودة إلى وطنه السودان، ومن حزنه على حبيبته اعتكف عند شجرة كبيرة، ومن هذا المكان مارس حزنه الذي لم يكن يفارقه، وبعد مرور زمن جاءت البشرى من الحبيبة لتعلن له موافقة أهلها على زواجهما، فكاد لا يصدق الخبر وطار فرحاً ونشوة، وسرعان ما ذهب إلى شجرته وجلس تحتها وبدأ يكتب قصيدته الخالدة:
أغداً القاك.. يا خوف فؤادي من غد
يالشوقي واحتراقي في انتظار الموعد
آه كم أخشى غد هذا وأرجوه اقترابا
كنت استدنيه لكن هبته لما أهابا
وأهلت فرحة القرب به حين استجابا
هكذا احتمل العمر نعيماً وعذابا
وهنا بدأت المخيلة العربية تنسج حكايات مؤثرة عن الهادي، وتدعي إحدى هذه القصص أنه ذهب إلى فراشه للنوم في انتظار اليوم التالي لمقابلة الحبيبة، وإتمام الخطبة إلا أن المسكين لم يتحمل قلبه الفرحة الكبيرة فتوقف عن النبض ولم يستيقظ.
وطبيعة الحال فهذه القصة متخيلة، والهدف منها أن تضخم حالة الحب، ويكمل أصحاب هذه الحكاية أن أم كلثوم قرأت القصيدة وسمعت بموته حباً واشتياقاً ولوعة، فأصرت على غنائها لتخليد الهادي آدم، غير أن أم كلثوم غنتها عام 1971، فيما توفي الشاعر في ديسمبر 2006.
فالحكاية ليست حقيقة إلا أن المخيلة العربية ضخمت الأغنية وصاحبها، ما دامت هي واحدة من روائع أم كلثوم الخالدة التي لا أعتقد أن أحداً حينما يذكر كلاسيكيات الطرب العربي دون أن يضعها في المقدمة.
هذا ما يذكرني بمجنون ليلى قيس بن الملوح الذي هام بحبه وباسمها، فملأ الصحارى والقفار ليس معنياً بسفح دمه ولا العطش، وخلف لنا أجمل القصائد وأروع الحكايات، وأشعاره التي حفظناها من جيل إلى جيل تمثل روائع شعرية ومنها:
أمر على الديار ديار ليلى
أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي
ولكن حب من سكن الديارا