في الثامن من ديسمبر 2020 تلقى أول شخص في العالم الجرعة الأولى من لقاح مضاد لفيروس كورونا، كان ذلك في بريطانيا، رغم أن روسيا بدأت قبل ذلك تطعيم فئات معينة صنفتها كأولوية، في أغسطس من العام ذاته بلقاح من إنتاجها. وحتى اليوم تم إعطاء مليار جرعة من اللقاحات على مستوى العالم.
في المرحلة الأولى من الوباء اعتمدت دول العالم على الحجر والإغلاق، لكن مع اكتشاف أن الوباء ليس حالة عابرة، اتخذت سياسات توازن بين الإجراءات واستمرار دورة الإنتاج وعجلة الحياة. والآن بات بين يدي العالم 12 نوعاً من اللقاحات التي تم تطويرها خلال عام واحد، ويأمل الجميع في إنجاح فكرة المناعة الجماعية، أو ما يمكن تسميتها «المناعة الشّرْطية»، إذ إن الأمن الصحي لا يتحقق في أماكن بعينها طالما لم يكن شاملاً، في ظل واقع أن العالم بات أسرة واحدة.
وبعد انتكاسات عدة، انطلقت عجلة التطعيم وباتت تسير بسرعة كبيرة، وإن بتباين واضح بين هذه الدولة أو تلك.
فالصين بدأت التعافي باكراً بسبب القيود المشددة في ظل إدارة مركزية صارمة وإجراءات واسعة وقائية طبية سريعة وانضباط شعبي عالي المستوى، حيث ثبت مؤشر حالات الوفاة بـ «كورونا» عند 4636 منذ نحو سنة. كما أنها أرقام عشرية في الإصابات، وغالباً وافدة من الخارج.
إسرائيل وأوروبا
الإسرائيليون بدأوا أخيراً العودة للباحات الخارجية للمقاهي. منذ ديسمبر، تلقى 80% من الإسرائيليين الذين تفوق أعمارهم 20 عاماً، جرعتين، وبات الإسرائيليون غير ملزمين بوضع الكمامات في الأماكن العامة. ولأول مرة منذ نحو عام، بدأت إسرائيل تشهد مؤخراً «صفر وفيات»، بعدما سجلت 407 وفيات بين 25 و31 يناير.
الولايات المتحدة تواصل حملة التطعيم للفئات العمرية كلها. وتلقى نصف الأمريكيين جرعة واحدة على الأقل. وبسبب التأخر ثم التهاون في اتخاذ الإجراءات الاحترازية بداية الجائحة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، تفشى الفيروس بشكل واسع في الولايات المتحدة، وواجهت السلطات صعوبات جمة في السيطرة على الوباء، الأمر الذي بدا يتحقق بعد أن وصلت جرعات اللقاح المعطاة للأمريكيين 200 مليون، التزاماً بوعد الرئيس جو بايدن.
وفي بريطانيا التي شهدت مؤخراً ظهور سلالة حملت اسمها، حُقن نصف الشعب (32 مليوناً) بجرعة واحدة على الأقل. وتزامن ذلك مع العودة للإجراءات الاحترازية المشددة نوعاً ما. ثم بدأت بالتخفيف التدريجي مع تصاعد عدد متلقي اللقاح، في حين تلقى الاتحاد الأوروبي في الفصل الأول من العام الحالي، 107 ملايين جرعة من اللقاحات، وتستهدف الخطط «تطعيم 70% من البالغين الأوروبيين بحلول الصيف».
المناعة الجماعية
روسيا اتخذت إجراءات احترازية أقل تشدداً، ركزت على اللقاح منذ أغسطس 2020، حين سجلت رسمياً أول لقاح في العالم «سبوتنيك-V»، وبدأت باكراً بتطعيم الطواقم الطبية والمرضى وكبار السن، ثم أطلقت منذ بداية هذا العام حملة التطعيم العامة. منذ مطلع أبريل هذا العام تسجل روسيا إصابات يومية دون الـ 9 آلاف، بعدما سجلت مطلع يناير نفس العام أكثر من 27 ألف إصابة. ومن حوالي 15 ألف حالة وفاة في يناير، سجلت حتى الآن في أبريل الحالي 5150 حالة وفاة. لم يعد أحد يراهن على «المناعة الجماعية» وحدها. ففي وقت يعود سكان بعض المناطق إلى المتنزّهات، تواجه الهند صعوبات بسبب ارتفاع أعداد الإصابات والوفيات، فيما تعاني البرازيل حالة مشابهة.
لقد بات اللقاح الوسيلة الأساسية لإنقاذ الأرواح وانتصار البشرية على هذا الوباء، وإلى أن تنجح اللقاحات في تحقيق أكبر قدر من المناعة المجتمعية، تبقى الإجراءات الاحترازية مطلوبة من الجميع.