ليس من السهل أن تكون نجما في عمر العشرين. لكن الممثل المصري أحمد داش فعلها، وها هو في رمضان مع " مين قال؟" (مريم نعوم، نادين خان) يقف جنبا الى جنب، أو لنكن أكثر دقة، تحت هامة عملاق الدراما جمال سليمان، والخبر المبهج هنا أنه.. لا يهاب ولا يرتبك ولا يخف وهجه.
ثمة في داش ما يعيدنا الى ذكرى شاب آخر، كان في العمر ذاته، في العام 2000 حين وقف أمام سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة ولم يبتلعه سحرها بل أحنى عليه: أحمد الفيشاوي في "وجه القمر" (ماجدة خير الله، عادل الأعصر) واذا ما سلخنا من الروزنامة العقدية ورقتين أخريتين ووصلنا الى 1980 سنصادف شابا ثالثا في العمر ذاته أيضا يرقص مع شريهان على المسرح بخفة لا تضاهى بينما تتشظى من حوله نيازك الموهبة الدافقة: محسن محي الدين في "سك على بناتك" (لينين الرملي، فؤاد المهندس). ألا يبدو الأمر وكأننا على موعد كل عقدين من الزمن مع بزوغ نجومية شبابية تمنحنا الأمل؟ قد يكون من المجحف اختزال مرآة " شباب العشرين الموهوبين" بانعكاس ثلاث وجوه فقط، لكن هل بوسع أحد أن يشككك، على الأقل، بسيل البهجة والحماسة الذي يتدفق الينا حين تقابلنا موهبتهم؟
بقي محي الدين في فخ مهني وأخلاقي وشخصي اسمه "المعلم الفاتن والمفتون يوسف شاهين" ولم يتمكن (الى الان ربما) من حسم "المأزق" بينه وبين نفسه، رغم رحيل شاهين نفسه. وعاش الفيشاوي ضغوط النجومية المبكرة وانتسابه الى بيت فني وتأثيرات مخلّطة بين العبقرية والتهور.
أثقال رمت على عاتقيهما مبكرا، فتركا عقد العشرين، فاقدين لتوهج صحي غير مخلط بالأوهام ولا الأسى. هل يكون داش على وعي بحجم المسؤولية التي باتت تقع على عاتقه من الآن، وهو، يستمع هنا الى اطراء يشبه أصالة موهبته بما كان تحت جلد أحمد زكي، أو يستمع من هناك الى مدح يركز على امتلاكه تنكيكا تمثيليا فارقا وخاصا به وهو في هذا السن الغض.
داش الذي بدأ التمثيل طفلا لم يجنح الى المراهقة بعد، وضعه حظه في مسير مخرجين وكتاب وممثلين كبار، أخذ منهم وتعلم. لكن، هل يكون الحظ فقط أم هو ذكاء فطري مبكر. علينا أن نتذكر أن ممثلين كثر من بينهم حمامة نفسها عبرت عن فطنتها التي لازمتها طيلة مسيرتها وكانت عصا السحر التي مكنتها أبدا من قلوب الجماهير.. عبرت عن ذلك طفلة لكن في نضج مبكر أيضا لم يتعدى الخامسة عشرة. سيكون على داش دوما دس تلك السير الملهمة تحت وسادته، تماما كما في مسلسله الجديد، ومنذ تباشير الحلقات الأولى، يدس أحلاما لا تخلو من التمرد وكسر سطوة الأبوية (يا للخبر السيء: إنها تعود مجددا الى مجتمعاتنا في كل زاوية ومكان. أم أنها لم تجتث أبدا؟!).
في حلقات مكثفة وليست ممطوطة على غرار "كوابيس رمضان"، سيعلن داش على الملأ خطاب الجيل: نحن أحرار، فيما نهوى، نتعلم، نعشق ولا يمكن لسيل آمالنا الهادر أن يوقفه أحد. ونحن، أبناء "السوشال ميديا" نعرف جيدا كيف نستغل كل عنصر ومصدر الهام من أجل ألا نؤجل أحلامنا، لنحقق حلم الآخرين.. أي آخر، حتى لو كان الأب.
انها وصفة قديمة ومحببة على مدى الأجيال في الفن عموما، لكن بهيئتها العصرية التي تقدمها نعوم، تحمل طرحا محدثا لا يخلو من الجدية بل الخطورة: إن أسلحة التكنولوجيا الحديثة التي أعطت بارق التحرر للشباب سرعان ما تم اكتشافها من قبل "الآباء" لكي تتحول الى أداة جديدة للسلطة التاريخية القاهرة. وعلى داش أن يحصل على تضامن ما لمواجهة هذا الحصار، وهو ما ستكشفه الحلقات المقبلة حكما.
قبل شهور قليلة عبر الممثل الشاب عن رأي صريح تناول ما اعتبره " الشخصية المصرية التي حين تنتقد تتسبب بالايذاء". نال آنذاك الكثير من الانتقاد وتحولت منصات "السوشال ميديا" الى منصات لمحاكمته. الآباء موجودون في كل مكان، كلاسيكي وحديث، وبكل الأعمار.
ولن يكفي مسلسل واحد ولا مائة من اجتثاث البطريركية المتجذرة منذ قدم موغر في الثقل، ولكن وجود اسمين لسيدتين على العمل، أقل أن يقال عنهما أنهما "مناضلتان فنيتان"، هما الكاتبة مريم نعوم والمخرجة نادين خان كافيا لكي يمنحنا، مع الشاب داش، الكثير من الأمل: اذا أردت أن تواجه رجلا قاسيا استدع على الفور المرأة الذكية!