كأنها لوحة تشكيلية، رسمت بألوان الصدق والحب، وزينت بكلمات الشعر، ذاك وصف يليق بالنص، الذي جادت به قريحة الكاتب الإماراتي علي أبو الريش، وجمعه في كتابه «تجليات محمد بن راشد آل مكتوم في حب الخيل وفلسفة القصيدة»، الصادر عن دار «مداد»، والذي يروي فيه تفرد إبداع وشخصية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، حيث نتعرف من خلاله إلى ملامح شخصيته قائداً وفارساً وشاعراً، فعلى امتداد 15 فصلاً ينثر أبو الريش قراءاته في شعر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، متيحاً لنا السير في دروب الفلسفة، لنعاين الحكمة، وداعياً إيانا للغوص في بحور الشعر، لنلتقط لآلئ اللغة التي تجسدت في قصائد سموه المتفردة ذات العمق الفلسفي، حتى ندرك مدى عشقه للخيل، حيث يتجسد ذلك في قول أبوالريش «الخيل في سجية محمد بن راشد، أبجدية اللغة، وجدلية الأشواق الأولية، هي لحظة التألق في السباق، وفي السياق، وفي النظرة السرمدية، هي جزالة في بوح القصيدة».

حضرة حكيم

في فصول كتابه، يتوسد أبو الريش نصوص الفلسفة، حيث تستقى منها الحكمة، ويعيد أبو الريش قراءة مجموعة من فصول كتاب «قصتي» لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ليضيء عبر نظرة فلسفية على ملامح من حياة سموه، ليصف لنا خطواته الأولى في دروب الطفولة، وطبيعة علاقته مع والديه، مقدماً لنا مجموعة من الإسقاطات الفلسفية على هذه المرحلة، عبر استذكار بعض مما جاد به الفلاسفة القدامى كأفلاطون وطاليس وأيضاً علماء النفس، ويبين كيف أثرت هذه العلاقة في نفس صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حيث يقول: «الحب ماء الحياة، فلننق الحب، ونجعله نهراً، نحن طيوره، فلا أجنحة للطيور دون الماء، ولا حياة للبشر دون الحب.

هذا ما يود سموه أن يكرسه في حياة شعبه، الذي يحبه ويريده دائماً في المنطقة الخضراء، يريده أن يحقق طموحاته، بتجلٍ، وتفوق، ولا يمكن أن تتحقق الطموحات إلا بالحب».

لم يكتف أبو الريش في قراءة كتاب «قصتي»، الذي قال عنه: «وأنا أقرأ كتاب (قصتي) وجدت نفسي في حضرة حكيم يثب نحو فلسفة الطبيعة، وما تبديه من جمال أخاذ يسلب اللب»، فقد ذهب بعيداً ليمتطي صهوة القصيدة، ويستشعر من خلالها مدى عشق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، للخيل، حيث يقول: «محمد بن راشد، والحب، والخيل، ثلاثي وضع نجمة دبي على قمة الهرم الكوني».

فلسفة عميقة

في كتابه، سعى أبو الريش إلى تقديم قراءة فلسفية لقصائد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، عبر تفكيك رموزها، ليبين لنا أن سموه استطاع في بعضها الذهاب «إلى منحى شعري وإنساني قل نظيره، بما تحمله القصيدة من بعد فلسفي عميق، ومن نظرة عميقة في التعامل مع الخيل بوصفه كائناً له سمات الخلق البشري»، وهنا يتوسد أبو الريش جانب فلسفة «الغيتا»، التي تعد من أعظم النصوص الهندية ثراء.

يمضي بنا أبو الريش، عبر باب «جمالية الفن في شعر محمد بن راشد»، نحو قصيدة «يا سهمي الريح»، التي يسرد من خلالها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، قصة العلاقة الحميمة مع الخيل، عبر وضع الصور الجمالية لتلك العلاقة.

ويقول أبوالريش: «في هذه القصيدة فيض من المعاني الدالة على الحميمية مع الابن (حمدان)، الذي يعتز به فارساً لا يلين له جانب في ساحات المنافسة، ولا تكل له إرادة في الانتماء إلى الخيل»، ويشير إلى أن هذه القصيدة، تنضح بالعاطفة الجياشة.

حقيقة الأشياء

كلما مضيت في تقليب صفحات الكتاب، تكتشف توغل أبو الريش أكثر في قصائد وشعر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، باحثاً من خلاله عن الحقيقة، حيث يقول أبوالريش: «يبحث محمد بن راشد عن الحقيقة في الأشياء، يبحث عن حقيقة الخيل، يبحث عن حقيقة الشعر، يبحث عن الحقيقة في الحياة، وكيف لا وهو المتأمل في الذات»، ويؤكد لنا أن القصيدة «هي تتويج لتطلعات سموه»، وترسيخ لقناعته بأن «القصيدة والخيل هما طرفان للمحيط، هما زاويتان تمتدان من الوريد حتى الشريان، فلا تناقض بين القصيدة والخيل».

حب ودهشة

لم يتوقف أبو الريش عند حدود الخيل والقصيدة، وإنما مضى أيضاً نحو الحب، الذي يقول إننا فيه «نكتسب الحكمة.. ونخرج من دائرة الأسئلة المبهمة»، ويصف لنا مدى تأثيره في النفس، وكيف يمكن له أن يحلق بها في عنان السماء.

ويقول: «الحب هو الذي أوصل محمد بن راشد إلى منصات الفوز، والحب هو الذي فتح نوافذ القريحة ليقدم محمد بن راشد روائعه الشعرية، والحب هو الذي فجر الطاقة الإيجابية ليعمل محمد بن راشد مع فريق عمله بهذا الانسجام وهذه الحرقة اللذيذة».

يحدثنا أبو الريش في كتابه عن «سحر الدهشة الأولى»، وكيف «صنع التأمل من هذا الزعيم، فرادة في الواقع واستثنائية في الوجود»، ويسرد على مسامعنا في الفصل ما قبل الأخير، أنشودة الحب، ويقدم لنا قراءة في قصيدتي سموه «انتصار» و«فراسة وفروسية»، ويبين كيف ينسج الحب في الشعر، وكيف يتجلى الصدق بين أبياته.