«الأعجوبة الثامنة» و«أهرامات تونس المعلقة» و«المعجزة الهندسية»، هي أهم أوصاف مدينة زغوان التونسية، التي تقع شمال شرقي البلاد، ويعود تاريخ تأسيسها إلى القرن الثاني بعد الميلاد.
يقول العرب القدامى «لكل امرئ من اسمه نصيب» ولزغوان من اسمها نصيب، فأصل التسمية هو «زيكوا» (Ziqua)، نسبة لـ «أكوا» (Aqua) الكلمة التي تعني الماء باللغة اللاتينية.
تعد المياه التي تنبع من جبلها، أهم أسرارها وخاصياتها، التي جعلت الإمبراطور الروماني إيدريان ينبهر بعذوبتها، لينشئ «معبداً للمياه» على تلالها. تنبثق من جبل زغوان أعداد كبيرة من العيون العذبة، منها الباردة الصالحة للشرب، ومنها الحارة الصالحة للتداوي.
منذ آلاف السنين، وإلى يومنا هذا، لم تنبض عيون زغوان، وزوّدت بعذب مياهها سكان الحضارات الرومانية والولدانية والبيزنطية والأغلبية والعباسية والفاطمية والحفصية والعثمانية، وكل الحكام الذين مروا على أفريقيّة، وصولاً إلى سكان تونس الحاليين.
"البيان" زارت مواقع المدينة في جولة موسعة، حيث أضاءت على جماياتها وقصص مواقعها وتاريخها.
كانت فكرة بناء الحمامات الرومانية في مدينة قرطاج المطلة على البحر الأبيض المتوسط، المعروفة بـ «بحمامات أنطونيوس»، وراء هذه المعجزة الهندسية.
قام الجيش الروماني آنذاك بإجراء بحوث، توصلوا من خلالها إلى أن عيون جبل زغوان الناضبة، هي الأقرب لحمامات قرطاج. كان أمر الإمبراطور إيدريان، بأن تُقام الدراسات من أجل جلب المياه العذبة من زغوان إلى قرطاج.
جسور معلقة
تروي لنا صفحات التاريخ انه قد شيّد الجيش الروماني «الحنايا»، وهي عبارة على جسور معلقة، تحمل في أعلاها سواقي المياه، لتعبر بها السهول والهضاب، وتشق بها الأودية، وتصل بها من زغوان إلى قرطاج.
ويبلغ طول «الحنايا» 132 كم، واستغرق بناؤها 44 سنة، فكانت جاهزة لنقل الماء سنة 166 ميلادية، أي في نفس السنة التي انطلق فيها عمل «حمامات أنطونيوس»، التي لا تزال شاهدة على عظمة هذه التحفة العمرانية إلى يومنا هذا. يتمثل الإعجاز في قصة «الحنايا»، في دقة ميلان مسرب المياه.
وتتبدى ملامح التفرد في هذه المدينة لزائرها حيث يرى أن هذا المسرب ينخفض في بعض الأماكن، ليكون في نفس ارتفاع سطح الأرض، ويرتفع في أحيان أخرى ليفوق ارتفاعه العشرين متراً، ثم ينخفض مرات أخرى ليصبح تحت الأرض، وذلك حسب طبيعة تضاريس المنطقة التي تمر بها «الحنايا» من زغوان إلى قرطاج. أعجوبة هندسية بأتم معنى الكلمة للحنايا، كما يحلو للتونسيين تسميتها، لكن العرب القدامى لقبوها بـ «قناة قرطاجنّة»، حسب ما روت كتب تراثية كثيرة.
ولا يزال معبد المياه، أحد أهم المعالم التاريخية في تونس، وقد تحوّل اليوم إلى منتزه سياحي، تزوره العائلات التونسية في أيام العطل والأعياد، ويعتبره سكان زغوان، مثل العم «عزّوز»، أحد كبار المدينة معلماً مميّزاً.
فخر الانتماء
"البيان" التقت خلال الجولة عزّوز حماد، الذي ولد وترعرع في زغوان، واشتغل في الحرف التقليدية منذ نعومة أظفاره، ويعيش اليوم من بيع التحف والأواني التي يصنعها بطريقة تقليدية. حدثنا العم «عزّوز» بعزة وفخر، بانتمائه لهذه المدينة العريقة، آملاً في أن يشعّ نجم زغوان على السياحة الخارجية، وألا ينحصر في السياحة الداخلية.
يصرّ محدثنا على أن الماء العذب هو أحد أسرار المدينة المكنونة، وهو الذي أنبت فيها أشهى وأجود الفواكه والخضراوات والزهور كذلك. تُعرف مدينة زغوان منذ الأزل بزهرة «النسري»، والتي تسمّى كذلك «النبتة العزيزة» و«النبتة الملكية». هذه الزهرة الفريدة، التي تعود أصولها إلى شرق آسيا، جلبها الأندلسيون إلى تونس، ووجدت في مناخ ومياه زغوان مكاناً ملائماً لترعرعها.
«كعك زغوان»
لم يقتصر الزغوانيون على تقطير النسري واستعماله للتجميل وعلاج أمراض، لكنه أصبح المكوّن الرئيس لأحد أبرز الحلويات «كعك الورقة»، أو «كعك زغوان».
وقد زرنا ورشة السيدة حبيبة المانسي،حيث تصنع «كعك الورقة» قبل بيعه، حيث حدثتنا عن طريقة صنعه واهمية إعداده وفق الطريقة التقليدية. يذكر هنا أن مطالب كثيرة متنوعة ومكثفة، برزت أخيراً، تنادي بضرورة إدراج معبد المياه ضمن قائمة التراث العالمي لــ « اليونيسكو».