بين الإمارات والكويت، تمتد وشائج الأخوة، وتتدفق المحبة في عروقها، فالعلاقة بين البلدين عميقة، و«أكبر من أن يفهمها الكثيرون»، فاسم الكويت ينتشر كثيراً في دبي والإمارات، دلالة على الخير، وتذكيراً بمتانة العلاقة بين البلدين.
وعلى قدر هذه المتانة، جاءت ارتدادات الصدمة التي خلفها غزو العراق للكويت، في 1990، حيث سببت تلك الخطوة شرخاً كبيراً في كيان الأمة العربية، لذا كانت عملية غزو الكويت، بمثابة «غلطة تاريخية غيرت وجه المنطقة للأبد».
كما يصفها لنا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في قصته «غزو الشقيق» الحاملة لرقم 40 في كتاب سموه «قصتي.. 50 قصة في خمسين عاماً».
«من أكثر الصدمات التي واجهتها في حياتي العسكرية، الاجتياح العراقي لدولة الكويت»، تعبير بليغ آثر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، أن يفتتح به هذه الحكاية، ليعيدنا إلى الوراء عقوداً طويلة، ويذكرنا بما حدث في المنطقة، وكيف ساهم ذلك في تغيير وجهها، ذلك التعبير مثل افتتاحية مشاهد الحلقة الـ 41 من البرنامج الوثائقي «قصتي» المستلهم من كتاب سموه، حيث يكشف لنا عن تداعيات الأمور آنذاك، وتأثيراتها المختلفة.
حلقة البرنامج الذي تولى إنتاجه المكتب التنفيذي لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ويعرض على شاشات تلفزيون دبي، ومنصّاته المتعددة، جاءت مثقلة بالمشاهد التي توثق لواحد من أبرز الأحداث التي شهدتها المنطقة، وأدت إلى تغيير وجهها بالكامل، حيث ينطلق سموه في سردها من واقع العلاقة التي تربط الإمارات بالكويت، ويقول:
«الكويت كانت في الحقيقة جزءاً من حياتنا، كانت جزءاً من حياة أغلب مواطنينا، لا يعرف الكثيرون أن سوق مرشد، أحد أكثر الأسواق الشعبية شهرة في دبي، سمي على اسم رجل أعمال كويتي فاضل، هو مرشد العصيمي، وأن التعليم النظامي دخل دبي عن طريق مدرسين من الكويت»، ويقدم لنا سموه قائمة بـ «أفضال الكويت»، واصفاً العلاقة بأنها «عميقة وأكبر من أن يفهمها الكثيرون».
قرار غزو الكويت، كان صادماً، فالحدث كان كبيراً ومؤثراً، وخلف هزات ارتدادية ظلت تتداعى بعد ذلك لسنوات طوال، ولعل ذلك ما دعا سموه إلى وصفه بـ «صدمة»، حيث يقول سموه:
«شكل غزو الكويت في 2 أغسطس من العام 1990 صدمة، نقلت النبأ لأخي الأكبر الشيخ مكتوم، ثم أمرت بإعلان حالة الطوارئ لجميع القوات الأمنية والعسكرية، تحدثت مع الشيخ زايد، فوجدته غاضباً وحزيناً في الوقت نفسه، كيف يمكن لصدام أن يفعل ذلك؟».
في مناطق الحروب وعدم الاستقرار، لا يمكن لشيء أن يزدهر، حيث الارتدادات تكون عالية، ويصف سموه، أولى الهزات الارتدادية للاجتياح العراقي للكويت، بقوله: «بدأت العديد من الشركات العالمية، تضع خططاً للانسحاب من المنطقة، اندلعت موجة من الذعر عندما انتشر الخبر، فبدأ المستثمرون الدوليون يطالبون بسحب أموالهم من مصارفنا للخروج من منطقة الشرق الأوسط، اتصل بي مسؤولون من المطار يطلبون توجيهاتي بخصوص السيولة النقدية التي كانت تعبر المطار خارج البلاد، ويسألونني ما إذا كان عليهم إيقاف ذلك»، ويضيف: «كانت إجابتي: لا أريد أن يتم توقيف أي شخص في المطار، لإخراج المال من الدولة، فليرحلوا إذا أرادوا».
قرار سموه وتوجيهاته، كانت نابعة من حكمة، فهو يدرك تماماً، أهمية عدم الاستعجال في اتخاذ القرارات، ويقول: «بعد أسابيع قليلة على ذلك، رأينا الأشخاص أنفسهم يعودون مع أموالهم إلى دبي، لو حاولنا إيقافهم لضاعفنا من مخاوفهم وجعلناهم يعتقدون أن مصارفنا غير قادرة على الإيفاء بمستحقاتهم».
في المقابل، فتحت الإمارات أبوابها وقلبها أمام أبناء الكويت، الذين بدؤوا في الوصول إلى أراضي الدولة، التي اختارت الوقوف إلى جانب شقيقتها الكويت، وفاءً لكل ما قدمته الكويت لها طوال السنوات التي سبقت الاجتياح العراقي للكويت. جاء موقف الإمارات واضحاً ومنسجماً مع قيمها، واعتقاداتها، حيث يقول سموه: «استقبلنا عشرات الآلاف من أبناء الكويت، فتحنا لهم الفنادق والبنايات، والكثير من مواطنينا فتحوا لهم البيوت».
لم تتردد الإمارات في الوقوف إلى جانب القانون الدولي، تطبيقاً للعدالة والاحترام، وعملاً بقيم الأخوة، وفي السياق، يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: «أصبحت مرافئنا مرسى لسفن الحلفاء مع بدء عمليات (عاصفة الصحراء)، وهي العملية العسكرية التي شنتها قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في 16 يناير 1991، لتحرير الكويت من القوات العراقية. أما قواتنا العسكرية فقد ساهمت بفاعلية في دعم قوى التحالف من أجل دعم تحرير الكويت».
وكما عودنا سموه على الحضور الدائم في الميدان، فقد كانت طبيعة مجريات الأمور تتطلب منه ذلك، وهو الذي سافر شخصياً «عدة مرات إلى مركز عمليات عاصفة الصحراء»، منوهاً إلى أنه ونتيجة لذلك، «أجبر صدام على الانسحاب بعد عملية عسكرية ناجحة»، قائلاً: «كانت القوات الإماراتية لها شرف أن تكون من أوائل القوات التي دخلت الكويت من أجل التحرير».
لقد مثلت تلك الأزمة اختباراً ناجحاً للإمارات وأبنائها الذين لم يترددوا في التطوع للدفاع عن الكويت، وهو ما يؤكده صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، بقوله: «من أكثر المواقف الرجولية التي أذكرها مع حرب تحرير الكويت، إعلان قواتنا المسلحة رغبتها في متطوعين من شباب الوطن. كان اندفاع المواطنين على مراكز التجنيد مذهلاً ومفرحاً ومبشراً بروح وطنية عالية».
غيوم الحرب التي تلبدت في سماء المنطقة، سرعان ما بدأت تتبدد بمجرد تحرير الكويت، ولكن ذلك لم يمنع أن تدخل المنطقة منعطفاً جديداً، ذلك ما يؤكده سموه بقوله: «انتهى غزو الكويت بانسحاب مهين للقوات العراقية، لكن تلك لم تكن النهاية، بل البداية لحقبة جديدة في المنطقة عنوانها انهيار دولها الكبرى، وتفكك جيوشها العظمى»، واصفاً سموه في الوقت ذاته غزو الكويت بأنه كان «الغلطة التاريخية الكبرى، التي غيرت وجه المنطقة للأبد».