في الربيع المقبل تستعد واحدة من شركات الإنتاج الثلاث، التي تقف وراء الفيلم الذي أثار ضجيجا واسعا لدى عرضه للإقدام على مغامرة جديدة، وإن بقصة أقل "هدوءا" مصدرها، هذه المرة، السينما الفرنسية: فيلم "المنبوذون" The Intouchables (اوليفييه نقاش واريك توليدانو. 2011)، الذي يسرد حكاية ثري أبيض مشلول يلجأ الى توظيف وافد أفريقي يحتاج بشدة لعمل، لتبدأ صداقة بين الاثنين، لا تخلو من يوميات وحوادث مضحكة، تتركز على التناقض الطبقي والاجتماعي والثقافي بينهما، والذي لم يحل دون توثيق لحمة إنسانية أحبها المشاهدون الى حد فاجأ النقاد وربما المنتجين أنفسهم.

فيلم الأرقام القياسية

حين عرض الفيلم لأول مرة في دور العرض حطم أرقاما قياسية للمشاهدات في تاريخ السينما الفرنسية بعد شهور قليلة، ليتصدر بعدها لوائح أكثر الأفلام غير الناطقة بالانجليزية على مدى تاريخ السينما.

لقد اشترى أكثر من 50 مليون مشاهد حول العالم تذاكر لحضوره بدءا من تاريخ عروضه العالمية حتى 2014، وهو ما لم يحققه فيلم في تاريخ السينما الفرنسية قبله ضمن هذه الفترة الزمنية!

ما الذي أعجب الجمهور؟

التسامح، نبذ العنصرية، اختراق الطبقات، تقدير حق ذوي الاحتياجات بحياة دافقة بالطاقة والاستمرارية، خلو العلاقة بين الرجلين من أية لوثات فوقية أو دونية، ناهيك، مع ذلك كله، عن حس فكاهة وسخرية لاذعة توفر لدى الشخصيتين ومكنهما من الانسجام.. كل تلك العوامل كرّست أهمية الفيلم بوصفه قادرا على أن يكون فيلما معولما وعابرا للثقافات، وهي التركيبة التي يزيد سعي المنتجين والموزعين ومنصات المشاهدة إليها أكثر فأكثر.

جهة الإنتاج العربية

النسخة العربية، التي من المزمع أن يبدأ تصويرها في مايو المقبل، بحسب ما أفاد تقرير حديث نشر على موقع المجلة العالمية "ذا هوليوود ريبورتر"، تقف وراءها الذراع الإنتاجية لشركة توزيع الأفلام الراسخة في سوق الشرق الأوسط "فرونت رو"، والتي تحمل اسم "يلا يلا" وهو الاسم الذي ظهر ضمن عناوين جهات إنتاج "أصحاب ولا أعز".

أسئلة التعريب

ولا تتوفر معلومات عن طاقم عمل النسخة العربية، التي تنتظر مواجهة أسئلة موضوعية تتعلق بقصة الفيلم وإنتاجية تتعلق بالبلد الذي سيصور فيه.

أسئلة من قبيل: هل سيتم الإبقاء على الهيئة السمراء لشخصية المساعد، التي قام بأدائها في الفيلم الممثل السينغالي العالمي عمر سي، وفي هذه الحالة من سيكون ومن أي جنسية عربية، أم أنه سيتم استبداله بشخصية بيضاء، في خدمة الرجل الثري الأبيض الذي جسد شخصيته في الفيلم الفرنسي الممثل فرانسوا كلوزيه، علما أن القصة الحقيقية التي استندت إليها أحداث الفيلم تتمحور حول فرنسي وجزائري فاتح البشرة.

السؤال الآخر الذي يطرح نفسه: هل سيكون هناك تعاون فني مصري لبناني في صنع هذا الفيلم، تبرره الضرورات الفنية والتسويقية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن "فرونت رو"، في رحلة عبورها من نشاط التوزيع السينمائي الى نشاط الإنتاج، قامت بالاستحواذ على حصة من الوكالة الإبداعية اللبنانية " أوبيريشن يونيكرن"، التي تتخذ من بيروت مقرا لها، والتي اتجهت من الأعمال الإبداعية الإعلانية الى صناعة المحتوى الدرامي.

لا مال من "نيتفليكس"!

وسيواجه الفيلم الذي لم تذكر التقارير وجود "نيتفليكس" كجهة إنتاجية ضالعة فيه، مما يعني إمكانية عرضه في صالات العروض السينمائية في العالم العربي، من دون استبعاد عرضه لاحقا على المنصة العالمية، تحدي استقطاب الجمهور العربي، في ظل احتمالية خلوه من عناصر جدلية مشابهة لتجربة "أصحاب ولا أعز"، مثل قضايا الخيانة والمثلية والتخفي الاجتماعي، والتي دعمت الفيلم تسويقيا.

قوة كراسي العجلات

لقد أثبتت التجربة الفرنسية الأصلية إمكانية تعاطف الجمهور وإقباله الاستثنائي على فيلم يصور علاقة إنسانية بين وافد ومقعد يسعى لاستمرار احتضانه للحياة. مطلب يحمله اليوم أكثر من 132 مليون مقعد يستخدمون الكراسي ذات العجلات حول العالمـ أضف إليهم 110 ملايين يحتاجون إليها ولا يتمكنون من حيازتها معظمهم في الدول النامية.

هذه الأرقام التي تسوقها "المؤسسة الدولية للكراسي المتحركة" و"منظمة الصحة العالمية" لا تفصل الأعداد في دول بعينها، مثل المنطقة العربية، التي تشكل فيها كتلة المقعدين من ذوي الاحتياجات الخاصة شريحة لا يستهان بها. ومن المفيد الإشارة هنا إلى مدى جهوزية صالات العرض في مدن عربية كثيرة لاستقبال هذه الفئة، من الناحية اللوجستية، وهي التي يجب ألا تحرم من الاستمتاع بمشاهدة فيلم يمس حالتها داخل الصالة.

الدروس المستفادة

تجربة "أصحاب ولا أعز" لا شك أنها ماثلة الآن أمام صناع الفيلم المقبل، يفحصونها، يتعلمون منها، ويتخذون قرارات تتعلق بالمعالجة العربية للسيناريو.

هذه القرارات هي التي ستحدد ما اذا كان الفيلم سيعبر عبورا هادئا، كما بعض النسخ العالمية الأخرى مثل الأمريكية ( ذا ابسايد. نيل بيرغر. 2019) والأرجنتينية (انسيبيريبلز. ماركوس كارنيفالي .2016) والهندية (بريث.فانشي بيديبالي. 2016)، والتي لم تحقق النجاح الشبيه بالنسخة الفرنسية الأصلية، أم أن العرب مجددا سيقلبون الطاولة؟