«الكتاب يظهر من عنوانه»، هكذا قيل قديماً، حيث كان يقتصر شكل الغلاف على استخدام الزخارف وشكل الخط فقط، وقد باتت أغلفة الكتب عنصراً مهماً وحيوياً في شد انتباه القارئ نحو الكتاب، إذ تحول الغلاف إلى لوحة فنية تبهر العين قبل أن يبهر مضمون الكتاب العقل، إلا أن عدم الاهتمام في شكل وتصميم أغلفة بعض الكتب قد قلل من أهميتها، حسب ما يرى عدد من المتخصصين في حديثهم لـ«البيان»، مشيرين إلى أن هناك انحداراً ملحوظاً في تصميمات أغلفة الكتب.
فيما تواصل أغلبية مؤسسات النشر- الحكومية والخاصة- وكذلك مصممو الغلاف، الاعتماد على الابتكار والتصميم الإبداعي لرسومات أغلفة الكتب لجذب القراء، يظل التساؤل قائماً: هل لا تزال أغلفة الكتب مصدر دخل مهم للفنانين؟ وما أهمية وجماليات الأغلفة التي تضمن رسومات أهم المبدعين.. وكيف تبدل الحال بين اليوم والأمس؟ وما تأثيرات وانعكاسات ذلك على حركة النشر والحركة الثقافية عموماً؟
واقع حال
وعن واقع حال أغلفة الكتب يرى الفنان التشكيلي ياسر عبد القوي أن واقع تصميم أغلفة الكتب في مصر مظلم للغاية؛ بصفة خاصة خلال تعامل دور النشر مع أغلفة الكتب على أنها «عبوة» أو «ورقة تغليف» وهو ليس كذلك.
ويضيف عبد القوي : من المفترض أن غلاف الكتاب هو أول ما تقع عليه عين القارئ؛ إلا أن عدم اهتمام دور النشر بالغلاف قلل من أهميته بالنسبة للقارئ؛ فدور النشر تتعامل بحالة من «الاستهتار»- على حد وصفه - مع الغلاف؛ مشيراً إلى أن الأمر لا ينطبق على دور النشر فقط؛ وإنما مؤلف الكتاب أيضاً لا يهتم بشكل غلاف كتابه.
ويشير إلى أن تصميم أغلفة الكتب لم يعد مصدر دخل مهم للفنانين التشكيليين؛ لأن معظم دور النشر لا تهتم بالجودة، والأسعار المطروحة أقل من المتوقع، موضحاً أنه ينظر لتصميم أغلفة الكتب على أنها هواية، ولا تصلح أن تكون مصدر دخل، فهو سوق محدود، ولم يعد هناك اهتمام بجودة الغلاف. وانتقد الفنان التشكيلي استسهال بعض المصممين من استنساخ الأفكار، واستخدام برامج الفوتوشوب ووضع عنوان على غلاف الكتب.
محتوى وغلاف
وعن قراءة محتوى الكتاب لتصميم غلافه قال: إن ذلك يتوقف على نوعية الكتاب، فعلى سبيل المثال الكُتُب التي تناقش قضايا غير إبداعية كالسياسة والاقتصاد والتاريخ، هنا التفاصيل الصغيرة لن تعطيك كمصمم شيئاً، ولكن القضية الكبيرة هي الأهم في هذا الأمر.
تكنولوجيا
وعن تأثر سوق التصميم؛ شدد على أن برامج الغرافيك هي أدوات مثل الفرشاة والقلم، ولكن تتمحور الفكرة حول كيفية استخدامها، حيث تتعامل دور النشر مع الغلاف على أنه مساحات لون أو صورة مع مساحة كتابة على ورقة بذلك أصبح غلافاً.
وقال: إن هناك انحداراً بين الماضي والحاضر في تصميمات أغلفة الكتب إلا فيما ندر، وضرب مثالاً بدار الهلال المصرية ومصمم أغلفتها الأشهر على الإطلاق الفنان حلمي التوني، واصفاً إياها بـ«لوحات فنية إبداعية بصرية».
وعن أسباب ذلك الانحدار أوضح أنه بسبب انهيار صناعة النشر في المقام الأول، وعلى الرغم من أن أرباح دور النشر في ازدياد إلا أنه يفضل خفض كلفة تصميم الغلاف، إضافة إلى عدم وجود اعتراض من المؤلف أو القارئ على الأغلفة الرديئة.
وتابع تصريحاته بالحديث عن الألوان المفضلة في تصميم أغلفة الكتب قائلاً: «ليس هناك لون محدد، فمن الممكن أن يكون التصميم عبقري؛ بألوان باهتة، الفكرة حول الغلاف أن يجذب القارئ». وقدم عدداً من النصائح لمصممي أغلفة الكتب: يعطي صورة حقيقية للكتاب، لا يكون أكبر منه أو يشير إلى بعد آخر بعيد عن محتواه، ليس ترجمة مباشرة لاسمه، لا بد من وجود علاقة بين الكتاب وتفاعله مع غلافه، ليس عبئاً عليه، من الممكن أن يكون مُفسراً للكتاب، أو موضحاً لعنوانه».
وعن جيل الشباب وتصميم أغلفة كتبهم قال إنه ليس لهم تفضيلات معينة خاصة أنه في أحيان كثيرة يُجبروا على غلاف محدد يشبه «أفيش السينما» حتى لو لم توجد علاقة بين الغلاف ومحتوى الكتاب، حيث يعتمدوا على غلاف يجذب بصرياً.
سلاح ذو حدين
أما مصمم الأغلفة والفنان التشكيلي عمرو الكفراوي فيرى أن هناك بعض مصممي أغلفة الكتب يعتبرونها مصدر دخلهم، خاصة في ظل عمله مع عدد من دور النشر، ومن الممكن أن ينفذ أكثر من تصميمٍ في الشهر الواحد، وقال إنه «كان مصدر دخله في وقت من الأوقات، لكنه حالياً يعمل على تصميم اللوحات، وتصميم أغلفة الكتاب أصبح يختاره بعناية شديدة».
ويختلف مع عبد القوي، حيث إنه يرى أن تصميم أغلفة الكتب في العالم العربي في تطور مستمر، إلا أنه عد دخول التقنيات الحديثة في تصميم أغلفة الكتب سلاحاً ذا حدين.
وقال: «التقنيات الحديثة سلاح ذو حدين: فالجانب الإيجابي في الأمر أنها أصبحت تُسهل من عمل المصمم لغلاف الكتاب، فقلصت المدة من شهور لأيام، الجانب السلبي هو أنها أصبحت مهنة من ليس لهم مهنة، ولا يمتلكون الإبداع ولا يعرفون الفرق بين البوستر على سبيل المثال وغلاف الكتاب، وامتهنوا هذه المهنة لسهولة التعامل مع برامج التصميم».
نشر وتصميم
من جهة أخرى، قال أحمد سعيد عبد المنعم، مدير دار أحد المنشورات، إنه منذ 2014 وضعت الدار استراتيجية خاصة بها لتصميم أغلفة الكُتُب تحديداً، فعلى سبيل المثال قررنا أن يتم إحضار لوحات فنان تشكيلي مصري، وهو دكتور أحمد صابر بكلية الفنون الجميلة ووضعها على أغلفة الكتب بالاتفاق معه بالطبع.
ويشير إلى أن مصمم غلاف الكتاب في النهاية هو جزء من تنفيذ رؤية الدار، وكيف سينفذ مصمم الغلاف فكرتي، موضحاً أن الغلاف «هدفه الأساسي والرئيس هو لفت الانتباه وليس شيئاً آخر».
وبخصوص شكوى المصممين من بخس حقهم، شدد على أن الأزمة هنا هو دخول من ليس لهم علاقة بالكتاب أو بصناعة الغلاف إلى مهنة صناعة الغلاف، فقد يكون المصمم محترفاً في شيء آخر كتصميم سوشيال ميديا، كدعاية وإعلان، إلا أنه لا يمتلك حرفية صناعة الكتب، بمعنى آخر «دخول غير المحترفين لمهنة صناعة أغلفة الكتب». ويسترسل: «الأمر الآخر أن هؤلاء الأشخاص لا يمتلكون ما يمكن لدار النشر تقديره، ونوع آخر من الأشخاص، وهم الذين يحرقون أنفسهم من خلال عدم تقديم شيء خاص بهم، عن طريق استنساخ صورة من الإنترنت، ووضع العنوان عليها».
دراسة
حسب دراسة تحت عنوان «سیمیائیة الصورة وتصميم غلاف الكتاب العربي المطبوع» نُشرت في أبريل 2016 للدكتور حامد معروف الزيات، مدرس المكتبات والمعلومات بكلية الآداب جامعة بنها، فإن أبرز أزمات تصميم غلاف الكتاب تمثلت في تقليد غلاف آخر لكتاب ثبت نجاحه بنسبة 46.15%. وأبرزت الدراسة أيضاً برمجيات التصميم التي يعتمد عليها مصممو أغلفة الكتاب؛ حيث جاء في المرتبة الأولى برنامج «فوتوشوب» بنسبة 45.62%، بينما يتم التعامل بین الناشر وفنان الغلاف عن طريق «التصمیم بالقطعة» إذ جاء في المرتبة الأولى بنسبة 80.77%، كما یتعامل الفنان مع أكثر من مؤلف بنسبة 44.44%.
وعن كلفة التصميم؛ أوضحت الدراسة أن كلفة التصمیم تعتمد على «ساعات العمل المتوقعة للانتهاء منه بنسبة 42.86%، بينما يهتم الناشر بالغلاف وتصمیمه «إذا كان المؤلف مشهوراً» بنسبة 63.63%. ويقبل القراء على الكتاب وفقاً لعوامل عدة - بحسب الدراسة - بينما تصميم الغلاف يقع ثالثاً بين تلك العوامل من حيث دوره في عملية التسويق بنسبة 18.34%.