أمام أصحاب الهمم فتحت دبي أبواب قلبها، جاعلة من نفسها «صديقة» لهم، وهي التي عرفت بمبادراتها الخلاقة الهادفة إلى تمكين أبناء هذه الشريحة ودمجها في المجتمع، فأينما وليت وجهك في المدينة حتى تتلمس ما يتناسب مع حركتهم من ممرات وطرق ومواقف وتسهيلات أخرى، والتي تجاوزت حدود الشوارع العامة لتمد خيوطها نحو المؤسسات والشركات العاملة في الإمارة التي منحت الأمل لأصحاب الهمم.

مكتبة محمد بن راشد لم تحد في ذلك عن «السكة» التي أرستها دبي لأصحاب الهمم، لتفتح هي الأخرى أبوابها أمامهم، لتمكينهم من السير في دروب المعارف، والاستزادة منها، حيث فردت المكتبة لأصحاب الهمم مساحة جيدة، تمكنهم من الحركة فيها، وتسهل عليهم الحصول على ما يبحثون عنه، من دون أن تمسهم «نظرات الشفقة»، وهو ما يمكن تلمسه بين جنبات المكتبة العامة وشقيقاتها من المكتبات الأخرى، حيث تتوزع فيها مجموعة متميزة من كتب برايل والكتب الصوتية والأجهزة الداعمة، فضلاً عن تخصيص المكتبة لكبسولات حسية مخصصة للأشخاص الذين يعانون من إعاقات حسية.

«أماكن ومنحدرات خاصة ومساحات للكراسي المتحركة، بدءاً من مواقف السيارات، وليس انتهاءً في أروقة المكتبة، قامت إدارة المكتبة بتخصيصها لأصحاب الهمم»، ذلك ما يؤكده الدكتور محمد سالم المزروعي، المدير التنفيذي لمكتبة محمد بن راشد لـ «البيان»، قائلاً: «هذه الشريحة مهمة جداً بالنسبة لنا، ولأجلها فقد خصصت مكتبة محمد بن راشد مجموعة متنوعة من الخدمات والتسهيلات الشاملة، بدءاً من المنحدرات والأماكن الخاصة والموزعة في كافة جنبات المكتبة على اختلاف طوابقها، وليس انتهاءً بما يحتاجونه من كتب وأجهزة داعمة».

د. المزروعي أكد في حديثه على حق «هذه الفئة في الوصول إلى المصادر الثقافية المختلفة، وتعزيز مشاركتهم في الحياة الثقافية والإبداعية التي تعيشها دبي»، وقال: «بين جنبات المكتبة سعينا إلى توفير مجموعة فريدة من الكتب المطبوعة بلغة برايل، بالإضافة إلى الكتب الصوتية والأجهزة الداعمة، مثل شاشات عالية الدقة تعمل على تحويل الكتب إلى صور مرئية مكبرة لمن يعانون من ضعف البصر، إلى جانب أجهزة أخرى تساعد على تحويل النصوص إلى ملفات صوتية، وأجهزة متخصصة في تحويل أي كتاب في المكتبة إلى لغة برايل لمساعدة المكفوفين، وأضاف:»تضم المكتبة أيضاً، كبسولات حسية مخصصة للأشخاص الذين يعانون من إعاقات حسية، توفر لهم البيئة المناسبة والهادئة للاطلاع والقراءة بما يتناسب مع حالتهم الصحية، فضلاً عن عديد الأجهزة الأخرى التي تواكب أحدث التقنيات المستخدمة عالميا في قطاع المكتبات«.

إدراك أهمية مشاركة أصحاب الهمم في الحياة الثقافية والإبداعية في دبي، شكل مدعاة لمكتبة محمد بن راشد لـ»توفير كل الفرص والإمكانيات التي تتناسب مع احتياجات هذه الفئة وتلبي متطلباتهم«، وفق تعبير د. المرزوعي الذي أشار إلى أن ذلك يأتي منسجماً مع»الخطط والاستراتيجيات الرامية إلى تحويل دبي إلى مدينة صديقة لأصحاب الهمم، ورؤية وتوجيهات القيادة الرشيدة في تعزيز وحدة وتكامل المجتمع، وتذليل كافة التحديات التي قد تواجه انخراطهم بصورة إيجابية في محيطهم الاجتماعي«.

ويبين د. المزروعي بأن المكتبة ومنذ اللحظة الأولى لتأسيسها، حرصت على»دمج وتمكين أصحاب الهمم وتأهيل المبنى ومرافقه لتتواءم مع كود دبي للبيئة المؤهلة بنسبة 100%«، قائلاً:»تلك المواءمة تتجلى للعيان عبر توفير الكراسي المتحركة أمام المدخل الرئيسي، وكتابة عناوين المرافق العامة بلغة برايل للمكفوفين، ووضع أجهزة الإنذار السمعية والبصرية، وأجهزة إنذار دورات المياه، وكراسي الإخلاء في كافة طوابق المبنى الذي تم تجهيزه بأحدث التقنيات والأدوات التي تسهم في دمج هذه الفئة في الحياة العامة وتعزز طاقاتهم وقدراتهم عبر القراءة والاستماع إلى مجموعة مميزة من الكتب والمصادر بما يدعم تكاملهم مع محيطهم الخارجي ويلبي احتياجاتهم الثقافية«.

اهتمام مكتبة محمد بن راشد بأصحاب الهمم لا يبدو قاصراً على توفيرها لكافة هذه الخدمات لهم، حيث تبدو رؤيتها المستقبلية أكثر اتساعاً، وبحسب د. المزروعي فإن»المكتبة وانطلاقاً من استشراف المستقبل ستعمل على توفير المزيد من الخدمات لتيسير أجواء أكثر انسجاماً مع أصحاب الهمم«، قائلاً بأن»المكتبة ستعمل على إضافة نظام صوتي في المصاعد الكهربائية، وتفعيل ميزة الوصول في أجهزة الحواسيب، وتحويل صور الإنفوغرافيك إلى أخبار تفاعلية قابلة للوصول إليهم عبر موقع المكتبة الإلكتروني«، متابعاً:»لأجل ذلك طرحت المكتبة استبانة لأخذ آراء الزائرين من أصحاب الهمم من عدة فئات مختلفة (كبار السن، ومستخدمي الكراسي المتحركة، ونادي دبي لأصحاب الهمم، ومركز المشاعر الإنسانية لرعاية وإيواء ذوي الاحتياجات الخاصة، وبرنامج رواد لخدمة ذوي الهمم ومركز سدرة، وأصحاب الهمم من الجمهور)، وذلك في إطار تحقيق رؤية مكتبة محمد بن راشد أن نصبح منارةً للمعرفة والثقافة والإبداع.