توثق فعاليات مهرجان سكة للفنون والتصميم في نسختها الــــ11 إبداعات الفن في الأماكن العامة عبر 6 جداريات استثنائية مفعمة بالرسائل الثقافية المستوحاة من إيقاع المدينة وجذوره التراثية في جوانبها الثقافية، وامتازت بتفرد أفكارها وأساليبها وبقدرتها على التعبير عن نبض دبي وعبق تراثها وتقاليدها، وشكلت إضافة حقيقية ضمن أروقة حي الفهيدي التاريخي لمواكبة المشهد الإبداعي المعاصر بهوية وطنية تعانق مستقبل الفنون التشكيلية وترتقي بعصرنة الموروث العريق.

 

ثقافة التسامح

وفي السياق جذبت جدارية «دبي» للفنان الإماراتي عبدالله لطفي جمهور مهرجان سكة للفنون والتصميم وفيها يصور رحلة الإمارة مدينة استطاعت بطموحاتها ملامسة السماء من دون التخلي عن تراثها وتقاليدها، بداية من أعماق الصحاري العربية إلى سماء تلامسها المدن. بلد متأثر بالزمن ويستمر في الازدهار عبر الثقافة والتسامح والتقاليد. ومع ذلك، يجد المرء نفسه في نقص مع الكلمات، لأنها ليست كافية تقريباً لتلخيص رحلة هذا البلد. حينما تفشل الكلمات، يجسد هذا العمل الفني مثالاً لدبي.

 

المستقبل هنا

 

ومن جانب آخر طرح جدارية الفنان الإماراتي بدر عباس وجاءت بعنوان «المستقبل هنا» وهي تصور ملهم تتكامل فيه التكنولوجيا بكل سلاسة مع التقاليد والثقافة المحلية، رؤية مثيرة لطموحات الإمارات للخمسين عاماً المقبلة واهتمامها بالمستقبل. عبر دمج عناصر جذوره الإماراتية في التطورات التكنولوجية الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتات والواقع الافتراضي وعلم الجينات في أسلوبه التكعيبي المتميز، يقدم بدر رؤية مثيرة للاهتمام لمستقبل تتكامل فيه التكنولوجيا بسلاسة مع التقاليد الثقافية. في قطعته الأخيرة، يعرض بدر ببراعة طموحات الإمارات للخمسين عاماً المقبلة، مع تمثيل مرح ومثير للتفكير للطاقة المتجددة والرعاية الصحية المستقبلية واستكشاف الفضاء. هذا الدمج الفريد من نوعه بين التقاليد والابتكار يجعل بدر فناناً رؤيوياً فريداً من نوعه.

 

 تقاليد إماراتية

احتفت جدارية «يا لابس التلي للفنانة» الإماراتية فاطمة آل علي بالثوب والكندورة الإماراتية وعاء لحفظ القيم والتقاليد العريقة وتقوم بدورها بربط الماضي بالحاضر وتعزيز الهوية الوطنية ضمن أنماطها المعاصرة، عبر استعراضها مكونات الزي الإماراتي التقليدي مع حرصها على إبراز تطريز التلي على القماش والخرز والكريستالات فالأزياء النسائية الإماراتية ليست فقط العباءات، إنما هي كنز ثمين توثقه الفنانة فاطمة آل علي عبر جداريتها بهدف التعريف برحلة هذه التصاميم المتوارثة والتي تاريخياً كل جزء له عدة أنواع، وكل نوع له اسم قد يكون مرتبطاً باللون والتفصيل والعناصر الزخرفية ونوع التطريز، وانسجامها مع تصاميم المجوهرات التقليدية.

 

تعزيز الهوية

 

واستوحى الفنان الفلبيني مارك باريتو تفصيلات جدارية «غداً» من فكرة الماضي والحاضر والمستقبل. على شكل صورة ظلية تشبه شكلاً رقمياً، يحيط بطفل يحمل زهرة لتمثيل الأمل والتطلعات المتجذرة في تراثها كما أنها تمثل استجابة للعمارة في منطقة الفهيدي التاريخية، والتي تحمل سمات أساسية في تعزيز الثقافة والتراث إلى جانب إلهام الأجيال الجديدة التمسك بجذورها في التنقل بوعود الغد، ومن جانب آخر اعتمدت جدارية «هدوء» للفنان الجزائري Sneak Hotep إطاراً فلسفياً لمفهوم التوازن الروحي والاجتماعي والأخلاقي ويمكن أن يكون أساساً للتطور الحضاري والثقافي في حياة الشعوب.

 

جرافيك الفهيدي

 

وبدعم من هيئة الثقافة والفنون بدبي وعبر معرض سكة للفنون والتصميم 2023 أتيحت الفرصة لطالبات ومصممات كلية الآداب والصناعات الإبداعية في جامعة زايد رؤية عملهن في بيئتهن الخاصة المرة الأولى، تحت عنوان «ترجمات الإمارات العربية المتحدة» إذ تعود جذور هذه المشروع الملهم إلى خريف 2021 وفي أثناء دراسة بعض الطالبات في مساق الفنون التشكيلية أحد الموضوعات المختصة بالجداريات، ما أسهم في تمكينهن من تعلم الكثير عن تكوين رسوم مصورة بتقنيات تقليدية واستكشافية وعملية تتم ترجمتها إلى تصميم جرافيكي في ما بعد. وقد طلب من الطالبات أن يقمن بمعاينة محيطهن ورصد ملاحظاتهن لكي يتمكنَّ من تكوين نظرتهن الخاصة من تجاربهن كنساء إماراتيات.

وكان الهدف من هذا المساق تمكن الطالبة من تطوير مهاراتها وزيادة الثقة بالنفس من ناحية توسيع نظرتها وقدرتها على تكوين نتائج مصورة يكمن فيها الإبداع الجرافيكي. كما أن منهج المساق قائم على العمل الإبداعي والاستكشافي، بالإضافة إلى التطبيقات العملية. وتم دمج تصاميم الطالبات وتطبيقها في مشروع جدارية واشنطن العاصمة لمهرجان فولكلايف السميثسونياني لعكس الحياة في دولة الإمارات العربية المتحدة عبر تصوير بصري حديث.