يقال: «أعطني مسرحاً أعطك أمّة»، مقولة عميقة تحمل في طياتها العديد من المعاني والمفاهيم التي تعبر عن أهمية «أبو الفنون» وعمق تأثيره في المجتمعات؛ لذا كان لزاماً الاهتمام بالمسرح منذ سن صغيرة لتأسيس المواهب وصقلها، وأيضاً لإكساب أولئك الأطفال معرفة عميقة، على أكثر من مستوى، تقدمها لهم التجربة المسرحية، كنمو حاسة التذوق الفني والجمالي لديه، وتنمية المهارات المختلفة، وتقوية العلاقات بالزملاء والأقران، وتنمية روح العمل الجماعي ومهارات التواصل اللغوية وزيادة الثقة في النفس، وتقوية العلاقة بالبيئة المحيطة من مدرسة ومعلمين وزملاء، وتوجيه الطاقات الموجودة لديهم إلى أمر مفيد ومثمر، وتنشيط الحواس السمعية والبصرية واللغوية، بالإضافة إلى تعويد الطالب على الانضباط وحسن التصرف مع الآخرين.
وقد أدركت دبي أهمية ذلك كله في وقت مبكر، فأطلقت المبادرات والمهرجانات، وشجعت تنمية المواهب المسرحية؛ ومن أبرز هذه المهرجانات «مهرجان دبي لمسرح الشباب» ومهرجان دبي للمسرح المدرسي، الذي اختتم فعالياته أخيراً على مسرح مكتبة محمد بن راشد، بمشاركة عشر مدارس ومؤسسات تعليمية، وهدف إلى اكتشاف المواهب وصقلها بطرق احترافية.
مواهب
وحول مساهمة هذه المهرجانات في خلق جيل مسرحي مؤهل واكتشاف المواهب والاهتمام بها ورعايتها، قالت فاطمة الجلاف، مدير إدارة الفنون الأدائية بالإنابة في «دبي للثقافة» لـ«البيان»: «المسرح المدرسي يعتبر مصدراً ومصنعاً يخلق المواهب وضخ القطاع بالفنانين المسرحيين الموهوبين.
ولهذا في السنوات الأخيرة بدأنا نولي المسرح المدرسي الاهتمام الذي يستحقه، لا سيما بعد أن رأينا مواهب كثيرة تمتع بالحضور والرغبة في الظهور، لكنها كانت تفتقر إلى منصة تساعدها على إبراز مواهبها.
وبعد دراسة وتعاون مع مؤسسة الإمارات للتعليم المدرسي، وسابقاً مع وزارة التربية والتعليم، رأينا أن نعمل بالتزامن مع كافة الإمارات باتجاه خلق مسرح مدرسي، يكون منصة تضخ وترفد المهرجانات الأخرى. منصة مثل مهرجان دبي لمسرح الشباب وغيره من المنصات، التي ظهرت في دبي أو الإمارات الأخرى».
وأكدت الجلاف أنها تعتبر وجود مهرجان دبي للمسرح المدرسي، أمراً هاماً جداً. ومن الهام أيضاً استمراره، لأن المدرسة فيها مواهب غضة ونقية تتشكل بالطريقة التي يرغب بها المهتمين، خاصة وإن الطلاب لديهم إمكانيات عالية، فمثل هذه المهرجانات تدعم وجود مسرحيين مستقبليين بجدارة وحرفية.
أهمية
من جهته أشار الفنان الإماراتي، مرعي الحليان رئيس لجنة التحكيم في دبي للمسرح المدرسي، إلى أهمية المسرح المدرسي، فهو يعد مكاناً لاكتشاف المواهب وفرزها، وبث الثقافة المسرحية، وبالتالي فإن التلاميذ إذا لم يتحولوا مستقبلاً إلى المسرح بشكل مباشر، فإنه يمكنهم التحول إلى تذوق هذا النوع من الفن، ويصبحون نواة لجمهور واع ومحب لهذا الفن، مبيناً أن المسرح يحتاج مواهب متعددة ومتنوعة سوى التمثيل، ومختصين في جوانب العملية المسرحية، كأن يتخصص الطلاب في مجالات السينوغرافيا أو تصمم الملابس والديكور أو الإضاءة، أو الإدارة المسرحية.
وكل ذلك، يمكن أن يتأسس لدى الطلبة من خلال المسرح المدرسي، القادر على صقل المواهب وتشكيل الشخصية المسرحية في سن مبكرة.
وأضاف: «المسرح يقوي الشخصية ويبنيها ويعلم اللباقة في الحديث وفن الخطابة، كما أنه مرتبط بالعملية التعليمية بشكل مباشر، وبالتالي فإن التلميذ يتلقى المعلومة من خلال مسرحية ما ويستوعبها بمستوى أفضل من تلقيها بأساليب الشرح التقليدي في الدرس، إضافة إلى تشكيله لشخصية الطالب وتعزيز مواهبه المختلفة، لذلك فإن الخبراء التربويين، قبل المسرحيين، يطالبون بالاهتمام بالمسرح المدرسي ودعمه».