في منطقة مئذنة الشحم بدمشق القديمة لوحة تستوقف المارة وتثير انتباههم، «هنا سكن نزار قباني»، يدفعك الفضول إلى أن تطرق بوابته الخشبية العتيقة، يستقبلك ساكنوه بالترحاب، ما أن تطأ قدماك بداخله، حتى تأسرك أناقة وجمال هذا البيت الدمشقي العريق، فأجزاؤه كانت الطريق أمام تفتّح عبقرية وموهبة أحد أهم الشعراء العرب في القرن العشرين.
لم تنقطع زيارات نزار إليه
عندما تطرق باب بيت نزار قباني يستقبلك صاحبه (مالكه الحالي)، رياض نظام، بابتسامة يرافقها كرم الضيافة وشغف في الحديث عن نزار وزياراته، مع السماح لأي إنسان بتصوير البيت والطوفان في أرجائه. ويقول رياض نظام لـ«البيان»:
إن «والدي عباس نظام اشترى البيت الذي ترعرع فيه الشاعر الكبير نزار قباني في عام 1968 من آل العضل، الذين اشتروه بدورهم من عائلة القباني عام 1958»، لافتاً إلى أن «نزاراً ظل ساكناً في هذا البيت حتى بداية دراسته الجامعية، حيث انتقلت عائلته آنذاك للسكن في حي أبو رمانة».
وأضاف نظام أنه «بعد تخرج نزار قباني في الجامعة والتحاقه بالعمل في السلك الدبلوماسي، سافر إلى خارج البلاد بحكم طبيعة عمله، إلا أن علاقته مع هذا البيت لم تنقطع، حيث كان يقوم بزيارته، وخاصة بعد وفاة ابنه توفيق، وزوجته بلقيس، التي قضت بحادث تفجير السفارة العراقية في بيروت، اللذين تم دفنهما بمقبرة الباب الصغير القريبة».
عشق للقطط
وتابع أن «نزاراً في زياراته كان يتحدث عن طفولته ونشأته وكيف نمت موهبة الشعر لديه في أرجاء هذا البيت، وعشقه للقطط، وأنه في إحدى زياراته شاهد قطة عند مدخل المنزل فقام بحملها وبدأ بملاعبتها، ولم يهتم بالموجودين».
وأردف أنه «في آخر زيارة للشاعر الكبير لبيته القديم قام بتصوير مشاهد توثيقية عن حياته».
وأشار نظام إلى أنه «بعد وفاة والدي اتصلت بنا ابنة نزار المقيمة في بريطانيا، وأبدت رغبتها في شراء هذا البيت، لكنها توفيت».
وأردف أنه «في هذا البيت العريق كانت تجري اجتماعات للكتلة الوطنية، حيث كان والد الشاعر نزار قباني (توفيق قباني) أحد أعضاء هذه الكتلة».
مفتوح للجميع مجاناً
وفيما يخص استقبال الضيوف بالبيت، قال نظام إننا «تعودنا منذ فترة طويلة أن نستقبل أي ضيف يرغب في زيارته حتى من دون موعد».
وأضاف: «جاءنا زوار من مختلف الدول والجنسيات العربية والأجنبية، وكانوا يظنون أننا حولنا البيت إلى معرض أو متحف، ويسألون عن أسعار الدخول، ونحن نرفض بشكل قاطع تقاضي أي مبلغ مالي، فهذا البيت مفتوح للجميع مجاناً».
وتابع: «عرض علينا الكثير من الأشخاص أن يستثمروا هذا المكان كمطعم أو مقهى، لكننا رفضنا ذلك لنحافظ على طبيعة هذا البيت وعراقته».
من جهته، قال خالد بربري -أحد زائري المنزل- لـ«البيان»، الذي صادف وجوده مع عائلته في ضيافة رياض نظام، إنه «قصد زيارة بيت نزار قباني عندما شاهد اللوحة التعريفية»، لافتاً إلى أنه لا توجد أي معرفة سابقة بصاحب البيت، وأثنى في الوقت ذاته على كرم الضيافة.
وأضاف : «يوجد شغف مزدوج لمثل هذه الزيارات، الأول كونه منزلاً لشاعر عربي كبير، والثاني يتعلق بالتراث والمنازل الدمشقية التراثية العريقة».
تصميم هندسي
وقال رياض نظام إن «البيت شأنه شأن البيوت الدمشقية العريقة والجميلة، تبلغ مساحته 475 متراً مربعاً، ويتألف من 10 غرف تتوزع على طابقين، الأول يتألف من باحة الدار التي تحتوي على بحرة كبيرة والقاعة الصدفية الموجودة في مدخل المنزل من جهة اليسار.
كما يضمّ غرفة يمينية وأخرى يسارية، بينما يشتمل الطابق الثاني على غرف للنوم». واستطرد نظام قائلاً إن «البيت لم يجر عليه أي تغيير على بنيته المعمارية، وبقيت باحته تحتوي على أشجار الياسمين والكباد والليمون والنارنج، فضلاً عن نباتات زينة أخرى لتضفي عليه قيمة جمالية إضافية».
وعن عمر هذا البيت، يقول صاحبه: «لم نعرف العمر الحقيقي للبيت، لكن ما هو موثق في السجلات بحسب تسلسل المالكين، فإنه يعود إلى 250 عاماً مضت».
تأثير وحضور
قصائد نزار قباني التي يصف فيها بيته تشير إلى عمق تأثير هذا المكان على بناء شخصيته وشعره؛ إذ يقول نزار في قصيدته «دارنا الدمشقية»:
«لا بد من العودة مرةً أخرى إلى الحديث عن دار «مئذنة الشحم»؛ لأنها المفتاح إلى شعري، والمدخل الصحيح إليه.
وبغير الحديث عن هذه الدار تبقى الصورة غير مكتملة، ومنتزعة من إطارها.
هل تعرفون معنى أن يسكن الإنسان في قارورة عطر؟ بيتنا كان تلك القارورة.
إنني لا أحاول رشوتكم بتشبيه بليغ، ولكن ثقوا أنني بهذا التشبيه لا أظلم قارورة العطر.. وإنما أظلم دارنا...».