ارتكزت النسخة العاشرة من أسبوع دبي للتصميم على طرح رؤى متجددة لمستقبل الفنون المستدامة، التي تسير بالتوازي مع مساراتها العالمية نحو ثورة فنية تخزل قصصاً من تاريخ الحضارات. وفي الوقت ذاته، تشجع على الابتكار تحت مظلة الاقتصاد الإبداعي، التي تشجع المواهب المحلية على الاستفادة من معطيات البيئات الطبيعية والخامات القابلة لإعادة التدوير، لاكتشاف أبعاد متجددة بالحركة والمرونة، إلى جانب التجريب كمصدر مستحدث مع التطورات التكنولوجية والمعرفية.
مواهب محلية
وعن تجليات الاستدامة وارتباطها بمسارات الاقتصاد الإبداعي في إمارة دبي، تؤكد ناتاشا كاريلا، مديرة البرامج في أسبوع دبي للتصميم: «إن دبي تعد اليوم بمثابه مركز للتصميم والثقافة ورعاية المواهب الإبداعية في الشرق الأوسط. ومن جانب آخر، يوفر أسبوع دبي للتصميم فرصة فريدة للمصممين من جميع أنحاء المنطقة لعرض أعمالهم أمام جمهور عالمي، كما أنه منصة للخطاب النقدي، وتعزيز التصميم المسؤول والمؤثر وتشجيع المصممين على النظر في الآثار أو التداعيات الأوسع لعملهم؛ من الممارسات التقليدية والتقنيات الناشئة إلى الاستدامة البيئية وحلول التأثير الاجتماعي التي يقودها التصميم كما نلاحظ أن معظم التصاميم التي تم تنفيذها من قبل المواهب المحلية الناشئة تتمحور حول فكرة الاستدامة، التي هي بكل تأكيد هي محور اهتمام وتقدير عالمي أيضاً، حيث يجلب الحدث لمجتمع التصميم وعامة الناس تجربة غامرة للثقافة والفنون».
تعليم متصل
وحول إطلاق معهد دبي للتصميم والابتكار، الذي يقدم أول بكالوريوس تصميم متعدد التخصصات في المنطقة برنامجاً متكاملاً وتفاعلياً من الفعاليات القائمة على الاستدامة خلال أسبوع دبي للتصميم، الذي سيتخلل ورش عمل إبداعية ومعارض دورية وسلسلة من جلسات الحوار التي ستركز على التصميم، قال محمد عبدالله، رئيس معهد دبي للتصميم والابتكار: إننا نؤمن بضرورة اتصال التعليم في الفصول الدراسية بالعالم الحقيقي. لا تزال المحاضرات جزءاً أساسياً من كيفية إرشاد أعضاء هيئة التدريس للطلاب بشأن حلول مشكلات الحياة الواقعية، إلا أن المشاريع والمبادرات هي طريقة التعليم الفعلية المتبعة في مناهجنا الدراسية القائمة على التصميم والابتكار. توفر مشاركتنا في أسبوع دبي للتصميم للزوار فرصة الاطلاع على مناهجنا الدراسية والتزامنا بتعزيز المهارات والتفكير في المستقبل.
تطوير مهني
وبما يتعلق بأهمية برامج التطوير المهني في إثراء تجارب المصممين، والصناعيين والفنانين الناشئين الذين يقيمون ويعملون في الإمارات أكد ليسا باليتشغار نائب مدير تشكيل أن أسبوع دبي للتصميم، يعد من المنصات الملهمة التي تدعم اشتغالات وبرامج التطوير المهني، ومن ضمنها برنامج «تنوين»، الذي ومنذ انطلاقته عام 2014 بتدريب نحو 36 من محترفي التصميم، وذلك في بداية حياتهم المهنية، وتم إنتاج 49 تصميماً أصيلاً لقطع أثاث وأجهزة إنارة تم تطويرها وتصنيعها في دولة الإمارات العربية المتحدة. كما جرى عرض 23 من هذه القطع المحدودة على جامعي القطع المتميزة عبر «مجموعة تنوين» للأثاث وأجهزة الإنارة، حيث يتم سنوياً اختيار أربعة فنانين للمشاركة في التجارب والتعلّم، بما في ذلك تطوير المنتجات، ابتداءً من تكوين فكرتها، ووصولاً إلى إبداع المنتجات النهائية، تبدأ من ابتكار النماذج الأولية من مجموعة الموارد المحلية المستدامة دون سواها، بالتعاون مع من الشركات المصنّعة المحلية وأصحاب الحرف.
الفن البيئي
وتحت إشراف القيمة والفنانة فاطمة المحمود، قدمت 30 موهبة محلية منتجات وتصاميم تستند على المواد الصديقة للبيئة وأثرها الاجتماعي المنشود ضمن النسخة الـ 4 من معرض «مصممين من الإمارات»، التي تعد واحدة من الفعاليات الرئيسية لأسبوع دبي للتصميم، وتعليقاً على مسارات التصميم من وحي مدرسة الفن البيئي تقول فاطمة: «إن مفهوم الفن البيئي يبحث في إنعاش الحركة الجمالية وأبعادها في المشروع الفني ضمن إيقاع النظام الأيكولوجي والقائم على استخدام عناصر وخامات مهملة بهدف تفعيل لغتها البصرية إلى شعور يلامس الواقع لدى المتلقي مما يسهم في تسليط الضوء على جوهر تلك الأعمال، وفهم تراكيبها المادية المصنوعة عبر أساليب غير تقليدية والتزاوج بين الحداثة من منظور إبداعي وأصاله المضمون المحاكي للحواس البصرية وللتوازن البيئي، الذي قد يمهد الطريق لتبادل ثقافي مستدام، كما تضمن تقديراً محلياً ودولياً للمبدعين المقيمين في الإمارات».
التصنيع الرقمي
وتشير المهندسة والباحثة المعمارية مروة عبدالرحيم إلى أن الاستدامة، في الأصل، تدلل على الحاجة إلى تحقيق التوازن بين الاحتياجات المتعارضة، حاجة المجتمع إلى التقدم تقنياً واقتصادياً، والحاجة إلى حماية البيئة الطبيعية.
وفي سياق أهمية العمل المشترك لتعزيز قيمة التصميم وبيئة الابتكار الملهم، تشارك الفنانة مريم العطار والمهندس الكهربائي محمد النجار ضمن برنامج التطوير المهني«تنوين»عبر تصميم «دروب»، الذي يعكس إمكانات الاقتصاد الدائري بجميع مكوناته، حيث يؤكد النجار أن دولة الإمارات تزخر بالموارد والمهارات والمعارف ومن خلال التصميم المحلي والتعاون، سنفتح أمامنا آفاقاً جديدة من الأفكار والاتجاهات. وسيسهم هذا النهج في اكتشاف إمكانات المواد الأخرى في المستقبل.
وترى مريم العطار أن الممارسات التقليدية جوهر تراث دولة الإمارات، حيث تعمد هذه الممارسات إلى استخدام المواد لأغراض متعددة. وباتت هذه القيم اليوم محوراً للتصاميم المستدامة المعاصرة، والتي نسعى إلى تعزيزها والارتقاء بها تمثيلاً لمفاهيم إعادة الاستخدام وإعادة التوظيف وإعادة التدوير والحدّ من النفايات. لقد علّمنا برنامج تصميم «تنوين» ألا نتخاذل أبداً، وأن نظل مخلصين لرؤيتنا، وأن نتابع السعي نحو تحقيق أهدافنا متجاوزين العقبات التي تعترض طريقنا وألا نستسلم أبداً!
مصباح الحناء
وتشير المصممة والفنانة الإماراتية وفاء الفلاحي إلى أن تصميمها، الذي يعرض ضمن إصدار محدود خلال فعاليات أسبوع دبي للتصميم يعكس اهتمامها بالتجربة والاكتشاف وقالت: لطالما كان دمج الاستدامة في ممارساتي الفنية محط اهتمام كبير لدي. وأطمح إلى التعمق في دراسة تطبيقها بطرق مختلفة خلال مسيرتي الفنية، ومن جانب آخر تعكس مادة الحناء التي اخترتها كمادة أساسية انطلق منها تصميمي «مصباح» جذور ثقافة وتراث دولة الإمارات العربية المتحدة.
نفايات بلاستيكية
ومن جانبها، قالت المصممة تشينارا درويش: خلال بحثي تتبعت المعامل المحلية التي تعيد تدوير النفايات البلاستيكية، وحظيت بمناقشات مثمرة، وتعرفت على ممارساتهم الإدارية. كان تعاوني الرئيسي مع شركة عائلتي، التي تصنع المنتجات البلاستيكية المتعلقة بقطاعي الملاحة والبناء. لقد أعطاني هذا فرصة لمعرفة المزيد عن دورة حياة المنتجات. يطمح المصنع إلى تطوير منتجات جديدة من النفايات الملاحية الصناعية التي يخزنها. قبل انضمامي إلى «تنوين»، بدأت في تطوير علامة تجارية تصنع أثاث الأطفال من النفايات البلاستيكية.