تعد دكاكين البهارات والتوابل، أو «الدويات» التي تعني باللهجة المحلية المحلات التي تبيع الدواء، الموجودة في سوق دبي الكبير، أيقونة منطقة ديرة بدبي، ومن أهم المحطات السياحية للزوار والمقيمين للتجول بين أزقته المعتقة برائحة التوابل متعددة الأصناف والنكهات، التي تتناقلها نسمات الصيف في نفحات تذكّر العابرين بقصص الترحال وتجارة الأسفار براً وبحراً منذ القدم، ليظل هذا المكان شاهد عصر على تقاليد راسخة وعادات متجذرة في المجتمع الإماراتي الأصيل.

جوار متحف بلدية دبي القديم، يقع مدخل السوق حيث تجتمع محال تجارة التوابل والأدوية الشعبية، المحملة بذكريات منطقة الراس التجارية، وتاريخها الذي يعود لقرون خلت، ومركز إلهام للبضائع الصادرة والواردة وفي مقدمتها التوابل التي تشكل عنصراً أساسياً في أي وصفة مطبخ إماراتيّ، ويحتضن السوق أكثر من 80 نوعاً من التوابل التي تزرع حول العالم، وساهمت شهرتها المحلية في شهرة دبي كمركز لتلك السلع عبر هذا السوق الذي لم تتغير محلاته أو هندسة تصاميمه الداخلية أو الخارجية منذ القدم، ولكن طالته بعض التعديلات الطفيفة فيما يتعلق بتوصيلات الكهرباء ومكيفات الهواء، وتتجسد شخصية مدينة دبي من التمازج الرائع بين الأسواق التقليدية والدور السكنية والمحال التجارية في علاقات تخطيطية متماسكة، والتفاعل بين العناصر المعمارية من براجيل الهواء والزخارف الجصية والتشكيلات المتنوعة للفراغات المعمارية.

إطلالة الخور

ويحتفظ السوق بسحره الخاص نظراً لموقعه الجذاب والمطل على خور دبي في مشهد مهيب للعبارات والسفن الخشبية، المحملة بالبضائع من الرحلات البحرية من وإلى أفريقيا وشبه القارة الهندية والخليج العربي، ما جعلها مركزاً عالمياً للتسوق، ومكاناً للبيع والشراء، والتبادل التجاري، حيث صنعت المعاملات التجارية الواسعة شهرة المدينة عالمياً، ورفعت من مكانتها التجارية وصيتها الذائع، واعُتبرت نموذجاً للأسواق العربية وحجراً أساسياً في تاريخ التجارة، بعد أن ساعدت زراعة التوابل في مناطق خارج عن أرضها الأصلية على تقلص الاحتكارات وخفض قيمتها حتى أصبحت التوابل اليوم دون جنسية معينة.

خزانة الدواء

وتعد متاجر السوق بهيئتها العتيقة بمثابة صيدلية تقليدية تضم العديد من الأعشاب، ومستلزمات الطب الشعبي البديل؛ لذلك يحمل السوق مسمى آخر وهو «الدويات» والتي تعني باللهجة المحلية الدواء، المتعمد على أشهر أنواع التوابل والأعشاب المعروفة وباتت تجذب اهتمام السائحين لشهرتها العالمية وفي مقدمتها الزعفران والتي وفقاً للتاجر علي بستكي الذي توارث بيع التوابل والبهارات في عائلته منذ أكثر من 80 سنة في سوق البهارات المتفرع من السوق الكبير، أن الزعفران يعد من أغلى التوابل في العالم، بفوائد طبية كبيرة، تتراوح بين تحسين المزاج وصولاً إلى مكافحة السرطان. وهو أحد النباتات الأغلى في العالم ويعود سبب غلائه إلى صعوبة حصاده، فهو يتطلب العديد من الأيدي العاملة ليتم حصاده بطرق تقليدية شاقة. لإنتاج نصف كيلوغرام من الزعفران قد يحتاج إلى استهلاك 75,000 زهرة من الزعفران، يتم قطف زهرة الزعفران البنفسجية ومن ثم تجفيفها للحصول على خيوط حمراء إلى برتقالية اللون، لنحصل على خيوط الزعفران بشكلها الحالي كنوع من التوابل.

ويشير علي بستكي إلى أن هناك العديد من البهارات والتوابل التي تجذب اهتمام الزائرين وفي مقدمتها «الهيل» الذي يحتل المركز الثالث لأغلى التوابل بعد الزعفران والفانيليا، كونه من أقدم التوابل الشعبية في العالم، ويتميز برائحة ومذاق ذكي وقوي، يستخدم في الوصفات الطبية، ويعتبر معالجاً قوياً لكثير من الأمراض وله كثير من الفوائد، عبر التاريخ والذي بدا بزراعته في جنوب الهند حتى اكتشفه الصينيون وقرروا البدء بزراعته.

طيب وبخور

حول المنتجات التي يقبل عليها الزائرون، يقول التاجر سعيد سجاد، الذي يمارس مهنة العطارة في السوق منذ أكثر من 40 سنة، ويمتلك جده المتجر منذ العام 1950، إن الطيب والبخور من ضمن قائمة اهتمام المتسوقين، خاصة الأجانب والسواح، وكانا ولا يزالان من أهم الصناعات التي يتم تحضيرها في البيت بطريقة آمنة وخالية من المواد الكيماوية، ويتنافس التجار وأصحاب المحلات على بيع أشهرها، حيث يتم تصنيعها يدوياً، ولا يخلو منها أي بيت إماراتي، ويزيد الإقبال عليها في جميع المناسبات، حيث مرت في السابق بالعديد من مراحل التطوير والتعديل نظراً للخامات التي تم إضافتها بمرور الوقت.