في ثنائية تجمع بين عراقة الماضي وجمالية الحاضر، تتفرد دبي بهوية عمارتها، لتبدو كلوحة فنية ترسمها ملامح المعمار التي تتجسد على أرض الواقع بوتيرة سريعة ودقيقة ومحكمة، مواكبة نهضة وتطور الإمارة على كافة الصعد.

وتأتي الأبراج في مقدمة مشاريع التنمية العمرانية، حيث شمخت فيها أبراج عديدة أوجدت روحاً ونبضاً متمايزين في المكان. كما تقف المباني القديمة الشامخة شاهداً على الماضي الضارب بجذوره في عمق التاريخ، وتعكس تميز الأجداد في الابتكار المعماري، مستندين بذلك إلى الفراسة في تشييد تلك المباني.

ويكمن سر جمال دبي المعماري في مزجها بين العمارة المتطورة الحديثة والتراث العمراني القديم، وفق عدد من المهندسين المعماريين التي استقرأت الـ«البيان» آراءهم، حيث قال المهندس رشاد بوخش، رئيس مجلس إدارة جمعية التراث العمراني في دبي: «إن التميز المعماري في دبي ليس وليد اللحظة بل بدأ منذ بنى أجدادنا حصن الفهيدي الذي يعود تاريخ تشييده إلى عام 1787، أي منذ ما يزيد على 200 عام، كما أن التطور المعماري الحديث للمدينة بدأ عام 1960 بالتزامن مع التطور المعماري العالمي».

وعلى الرغم من أن المباني المعمارية الحديثة في دبي تمتلك هوية متفردة، إلا أنها ترتبط بالعمارة المحلية القديمة، حسب المهندس بوخش، مثل متحف المستقبل الذي تزينه مقتطفات من مقولات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بالخط العربي رغم تطوّره عن عالم العمارة في العالم، مضيفاً: «تمت قولبة الخط في كل لوح من ألواح المتحف على حدة مع تشكيل الحروف داخل فتحات زجاجية داخل الواجهات».

وأعطى بوخش مثالاً آخر عن مسجد الجميرة في دبي، والذي يتميز بتصميمه الفريد المقتبس من فن العمارة الإسلامية الفاطمية، وقد بني من الحجر الأبيض على الطراز الفاطمي.

مزج

بدوره، أشار المهندس بدر محمد آل علي عضو مجلس إدارة جمعية التراث العمراني إلى أن المباني الحديثة في دبي ممزوجة بعناصر من العمارة القديمة التي بنيت على يد بنّائين بارعين مثل الأعمدة والزخارف، التي نلاحظها في فن العمارة الحديثة.

وأضاف: «يوجد في دبي مهندسون معماريون من كافة جنسيات العالم، يستخلصون أفكارهم من البيئة المحلية الإماراتية سواء الصحراوية أو البحرية، ففي تصميم برج خليفة على سبيل المثال استنبط المهندس المعماري المعروف أدريان سميث فكرة البرج من زهرة من صحراء الإمارات».

عمارة تراثية

من جانبه، أكد المهندس المعماري الإيطالي أندريا مارينكو، أن أحد عوامل النجاح في دبي هو قدرتها على الابتكار في المجال العمراني وقدرتها على تحويل أفكار وخيال المهندسين المعماريين إلى واقع، وهذا أحد عوامل جمال العمارة المعاصرة التي نشهدها في دبي اليوم.

وتابع مارينكو: «إن التحف الهندسية في دبي ستبقى في ذاكرة الشعوب مدى الحياة والمستوحاة أساساً من العمارة التراثية التقليدية للإمارة، فبرج العرب، والذي يُعرف باسم الشراع العربي وهو مستوحى من شكل شراع السفينة. وجناح الإمارات في إكسبو 2020 دبي، مصمم على شكل الصقر». كما أشار إلى أن منطقة الفهيدي التاريخية، التي تتواجد جنباً إلى جنب مع الأبنية العصرية المتطورة، تعبّر لنا عن جمال معماري متفرد تتمتع به هذه الإمارة.

سر الجمال

وفي سياق متصل، قال المهندس السوري شهوان محمد المدير العام لمكتب التراث العمراني للاستشارات الهندسية: «إن دبي طورت الكثير من الأحياء السكنية التي شكلت مزيجاً بين التراث العمراني والعمارة الحديثة، وهنا يكمن سر الجمال المعماري في دانة الدنيا».

وتابع: «من يزور مدينة دبي وينتقل بين أحيائها القديمة والحديثة يكتشف التناغم الجميل الذي يربط المدينة القديمة بالأحياء الحديثة، والتي تشكل هوية دبي التي تربطها بجذورها بحلة معاصرة، فأعلى برج في العالم «برج خليفة» درة العمارة المعاصرة، يحيط به العديد من المباني والأسواق التي بنيت على الطراز المعماري المحلي».

 

نسب معمارية

وقال المهندس المعماري المصري محمد جاد: «تمتاز العمارة المحلية في دبي بجمال النسب المعمارية القياسية ومناسبتها للاستخدام، كذلك تتميز العمارة الحديثة باستخدام النسب الجمالية المعمارية المستمدة من البيئة المحلية في الفتحات واستخدام الأركان لكسر حدة الزوايا في المداخل، مما أدى إلى مزج عمراني فريد بين القديم والحديث».