دأب المسؤولون البريطانيون على تجديد تقاريرهم بين الفينة والفينة، ومتابعة الأحوال التضاريسيّة والطبوغرافيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، خلال وجودهم العسكري في المنطقة، في القرون التي مضت، وهي تقارير تفيد بتتبّع الأحوال وإحاطة المسؤولين بجوانب شتى. وتدلّ كذلك على التعرّف على الأوضاع في المنطقة، وتلمّس ظواهرها، وإيجاد الحلول المناسبة.

ونستعرض هنا، بعضها، الذي يحوز أهمية من جوانب عديدة.

الأول بعنوان: (The GULF AND GULF OF OMAN: RESOURCES AND COAST DEFENCES)

وقد نشرت هذا التقرير إدارة متخصصة في عام 1903. ويتضمّن معلومات عن المواقع الدفاعية والكثير من المسائل في هذا القبيل. وجزء من هذه المعلومات مُستَخْلَص من تقرير الخليج العربي لسنة 1898.

والتقرير يؤكّد أنّه اعتمد على تقرير عام 1898 خاصّة فيما يتعلّق بالجانب الطبوغرافي والتضاريسي والطبيعي. وفيه إشارة إلى أنّ المنطقة تتطلّب مسحاً بين فترة وأخرى لتثبيت معلومات، أو حذف معلومات كانت موجودة.

ويؤكّد أنّ الوجود البريطاني وصل إلى أقصى مداه مع نهاية القرن الثامن عشر. ويقع التقرير في 90 صفحة. ويمكن الحصول عليه من مكتبة قطر الرقميّة. ويفصل التقرير مجموعة معلومات. وندرج جملة منها كما جاءت في التقرير.

مسقط:

هي عاصمة سلطنة عمان، وتتموضع في الجزء الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربيّة، وهي ميناء تجاريّ مهمّ. ومع أنّها تقع جغرافيّاً خارج إطار الخليج العربي إلا أنّ علاقاتها وارتباطاتها ببقيّة مدن وبلدات موانئ الخليج العربي تجعلها محطّة رئيسة في تاريخها واقتصادها.

ثمّ يحدّد التقرير المسافات بين مسقط، وعدن، وجزيرة قشم، وبومباي، وكراتشي بالأميال. وهذه المسافات تقدّم للمبحرين في المحيط الهندي والمنطلقين من موانئه تلك المسافات التي تجعلهم على عِلم بمواعيد وصولهم.

ثمّ يذكر ميناء مطرح والقرى المحيطة، ويفترض أنّ السكّان يبلغون حينها حوالي 30 ألف شخص. ويحدّد السلع المستوردة والمُصَدَّرة التي تصل إلى أكثر من أربعة ملايين دولار سنويّاً. نُقلت على متون 464 سفينة. ويصف التقرير جغرافيّة ميناء مسقط، وموضعه، وكيفيّة دخول السفن إليه. كما يذكر مواضع آبار المياه العذبة الواقعة إلى الجنوب الغربي من مسقط.

ثمّ يحدّد الحصون والأبراج في منطقة مسقط، وهي أربعة مستحكمات عسكريّة، وهما برجمان على مدخل الميناء، ثمّ القلعتان الشّهيرتان: الميراني والجلالي. وهما برتغاليّتا التأسيس حوالي عام 1588. ويشير التقرير إلى وجود سور حول مدينة مسقط، مدعّم بالأبراج المشيّدة على قمم الجبال.

ساحل الباطنة:

وينتقل التقرير إلى وصف ساحل الباطنة إلى كلباء، ثمّ يشير إلى أنّ الساحل الممتدّ من كلباء إلى دبا ضمن الإمارات.

مسندم:

وأمّا بحديثه حول شبه جزيرة مسندم، وامتداداتها في مياه الخليج، فيذكر بأنّ اسم: «مسندم» في الأصل يعود إلى اسم جزيرة في أقصى الشمال تحمل هذا الاسم، ومنها شمل كل شبه جزيرة مسندم. ويسهب التقرير في الوصف البيئي لمسندم ساحليّاً وداخليّاً. ويذكر كذلك بعض موارد المياه العذبة، ومعيشة الأهالي. والأجواء الحارّة جدّاً في فصل الصيف.

ويذكر أنّ بلدة خصب وواديها القريب منها يعيش فيها حوالي 600 شخص آنذاك. وتوجد آبار المياه العذبة في الجزء الشرقي من الوادي. وتكثر في المناطق القريبة الزراعة، من نخيل، وحبوب، وذرة، وخضراوات. وأشار إلى حصن خصب القريب من بساتين النّخيل، بالإضافة إلى برجين بالقرب من الساحل.

ساحل الإمارات:

يوضح التقرير الامتداد الجغرافي لساحل الإمارات.

شرق شبه الجزيرة العربية:

ويسهب التقرير في شرح مناطق شرقيّ شبه الجزيرة العربية، والبحرين، والكويت، ويكاد هذا الوصف يشمل أغلب تقرير عام 1903.

ويسترسل في وصف القطيف، وضواحيها، وقلعتها، وبساتين النّخيل، وآبار المياه العذبة. ويزداد استرسالاً في وصفه لجزر البحرين، وأشهر مدنها، وقراها، ومعيشة أهلها، ويصف قلعة البحرين العتيدة، وقلعة المحرّق، وقلعة عراد.

ويمنح الكويت وصفاً شاملاً أيضاً، ويقدّر عدد سكّانها باثني عشر ألف نسمة عام 1902. ويبين أنّ ميناء الكويت كان يستقبل أكثر من 130 سفينة يتراوح وزنها من 20 إلى 300 طنّ.

ويحدّد المسافات بين الكويت وعددٍ من موانئ الخليج وجزره. وهكذا يصف الوضع البيئي والمائي والمناخي للكويت، ومعيشة أهلها. وطرق ودروب الكويت وصلاتها بالعراق والإحساء. ويصف سور الكويت، وما مرّ به من تطوّرات وتغييرات. ويتحدّث عن قلعة الجهراء الشهيرة.

ويصف خور عبدالله، وجزيرة بو بيان، وجزيرة وربة حتى يصل إلى شطّ العرب، وطرق الملاحة النّهريّة بإسهاب، ثمّ يعرّج إلى الساحل الإيراني على الخليج حتى شرقيّ بندر عبّاس. ويحدّد المسافات بدقّة مرفقاً بذلك خرائط للطرقات إلى إسطنبول. وفي تفاصيل كثيرة حول التحصينات والاستحكامات العسكريّة.

ملاحظات:

ومما يؤسف له أنّ هذا التقرير قد اجتزأ إمارات الساحل في سطور معدودة، ولم يتحدّث عن أوضاعها في تلك الفترة. بل وحتى لم يذكر مدن الدولة على خارطة الخليج المرفقة. وفيما يبدو لنا بأنّ عام 1903 لا زالت للسلطة العثمانية مناطق نفوذ في شرقيّ شبه الجزيرة العربية وجنوبيّ العراق.

ولهذا ركّز على تلك المناطق لتبيان الوضع الجغرافي والعسكري لها، بل وحتى السياسي. وربما كانت تلك المناطق لها محطّات ارتكاز تتلامس فيها القوّتان البريطانيّة والعثمانيّة، إلا أنّ الباحث لأوضاع شرقيّ شبه الجزيرة العربية في مطلع القرن العشرين يجد معلومات مستفيضة حولها في هذا التقرير.

ملاحق:

ومن صفحة 66 إلى صفحة 90، توجد عدّة ملاحق:

الملحق الأول حول السياسة البريطانية في الخليج، وموقف المملكة المتحدة من سكّة حديد بغداد، وهو معتمد على سؤال وجّهه (Lord Lamington) إلى وكيل وزارة الخارجية لشؤون المعلومات.. ويأتي الردّ مساوياً، ومفصِّلاً ومؤكِّداً لتلك العظمة التي تحقّقها حكومة الملك جورج الخامس آنذاك.

والردّ نفسه يزخر بدروسٍ في السياسة والإدارة والإدراك للسياسة الدوليّة في تلك الفترة التي سبقت الحرب العالَميّة الأولى. ومما تضمّنه الردّ بأن موقف بريطانيا بشأن المشروع لم يكن وليد تلك اللحظة، بل كان ذلك قبل ستّين عاماً.

ويركّز الملحق الثاني على سكّة حديد بغداد بخرائط مفصِّلة لها، وبتحديدٍ للمسافات بين المدن. ويستعرض الملحق الثالث الاستحكامات العسكريّة في الكويت، حينذاك، بما فيها من أسوار وحصون وأبراج، ومقدرتها على الصمود إذا ما تعرّضت لأيّ عدوان. ويحلّل الملحق الرابع الاستحكامات العسكريّة العثمانيّة حول إمارة الكويت، وعلى خور عبدالله.

ويفرد الملحق الخامس للسياسة الروسيّة، حينذاك، وتأثيراتها. ويناقش الملحق السادس الملاحة النّهريّة في نهر قارون، وأمّا الملحق السابع فهو حول الصدام العسكري بين بريطانيا ومملكة فارس عامَي 1856 و1857.

وأكرّر القول بأنّ هذا التقرير يركّز بشكلٍ كبيرٍ على الاستحكامات العسكريّة في شرقيّ شبه الجزيرة العربية وفي جنوبيّ العراق.