لا يزال الحنين يشد عبدالله أحمد فرج الفلاسي، مدير إدارة التسويق والفعاليات وعلاقات الشركاء بنادي دبي لسباقات الهجن، إلى بيت العريش الذي يتم تشييده من سعف النخيل، وقد أصبح هذا النوع من «البيوت» جزءاً أصيلاً من التاريخ العريق والتراث الذي يحافظ عليه أبناء الإمارات جيلاً بعد جيل، رغم التطور الحديث في البنيان والمعمار.
أشكال متنوعة
وشكلت «بيوت العريش» نسبة كبيرة من المساكن في دولة الإمارات العربية المتحدة حتى وقت ليس بالبعيد، واعتمدت في بنائها على سعف النخيل على نحو رئيسي، متخذة أشكالاً منوعة ما بين المربع والمستطيل مع مراعاة التهوية بتخصيص نوافذ وأبواب صغيرة الحجم.
عملية التشييد
واشتهر هذا النوع من المنازل في الزمن القديم بشكل كبير جداً بين أبناء المجتمع الإماراتي، ومع تعدد الأشكال والمساحات الخاصة، إلا أنها جميعاً تتكون من أساسيات متشابهة في المواد والشكل المعماري النهائي، وتتم عملية التشييد على مراحل مدروسة، حيث يتم حفر خندق صغير حسب المساحة المطلوبة، وبالتالي يرص الجريد بشكل طولي، ثم يُردم الخندق بالحجارة الصغيرة والطين الممزوج مع الماء، وبعد ذلك يُرص الجريد مجدداً، لكن بشكل عرضي على مسافات متساوية ومتباعدة نسبياً، وتُربط عن طريق الحبال لجعل البناء محكماً، وتثبّت كافة أركانه بأنصاف من جذوع النخيل، ويتم تغطية السقف بالدعن، والدعن عبارة عن جريد مرصوص ومُحكم بحبال شكّلت منه قطعة واحدة متماسكة يتم تثبيته بأركان العريش، ويوضع سعف النخيل بشكل متداخل فيه، حتى يحجب أشعة الشمس.
«الطربال»
وفي فصل الشتاء يتم تغطية بيوت العريش بقماش يطلق عليه اسم «الطربال»، وهو مصنوع من القطن والنايلون، ليمنع دخول الأمطار إلى أثاث البيت، وكلما اقترب فصل الصيف واشتدت حرارته يجمع كبار السن الذين عاشوا فترتي ما قبل النفط وما بعده قاسم مشترك هو الحنين إلى الأيام الخوالي وتذكر الماضي وكيف قضوا الصيف بحره اللافح تحت ظلال «العرشان» قبل تركها والانتقال إلى فلل ومساكن مكيفة ومجهزة بأحدث الكماليات.
استذكار الماضي
ويشير عبدالله الفلاسي إلى أن الانتقال للمساكن الحديثة والمجهزة بأفضل سبل الراحة لم يوقف أبناء الإمارات عبر الأجيال المختلفة عن المحافظة على الماضي التليد والمرتبط بكل ما أنجزه الآباء والأجداد في حياتهم السابقة، حيث يحرص كثيرون على استذكار تلك الفترة، حتى وإن لم يعيشوها، من خلال تخصيص هذا النوع من «البيوت» في المزارع والاستراحات التي تقضي فيها العائلات جزءاً من أوقات الإجازات والعطلات الرسمية، زيادة على اهتمام بعض المؤسسات في الدولة بتشييد «بيوت العريش» خلال الفعاليات الوطنية والأنشطة المجتمعية والرياضية والثقافية، ومن بين تلك المؤسسات أندية الهجن في دولة الإمارات.
اهتمام كبير
ويقول الفلاسي: إن نادي دبي لسباقات الهجن واحد من تلك المؤسسات التي تهتم بالتراث، وقد درج النادي سنوياً على تخصيص «بيوت العريش» في فعالياته بالمرموم استلهاماً من الماضي العريق، وتجد هذه «البيوت» اهتماماً كبيراً من أبناء الإمارات والمقيمين العرب والسياح الأجانب.
طقوس وحنين
ويؤكد الفلاسي استمرار الارتباط بـ«بيوت العريش»، واعتبرها متنفساً مهماً للمواطنين في مختلف الأجواء، سواء كان ذلك صيفاً أو شتاءً أو خريفاً، وكل فصل له طقوسه في «بيوت العريش»، ويزيد الحنين أكثر في فصل الصيف، خاصة لكبار السن الذين لا ينقطعون عن المكان الذي يجدون فيه «بيوت العريش».
أصالة متجددة
ومهنة تشييد بيوت العريش لا تشيخ رغم تراجعها في بعض الأماكن، لكنها لا تزال حاضرة وبقوة، كما أثبت العلم مؤخراً أنها الأسلم والأفضل على صحة الإنسان، ويتزايد الطلب على بيوت العريش مؤخراً حتى على مستوى الأفراد، إذ يطلب عدد كبير من المواطنين بناء عريش لهم داخل الفلل والمساكن الشعبية، نظراً لعشقهم لتراث الآباء والأجداد، ويزداد الطلب عليها في فصل الصيف وأوقات المهرجانات والمناسبات، وتطلبها المؤسسات الحكومية والمدارس والمراكز التجارية، إذ تبهر الزائرين والسياح الأجانب، كما درجت عليها بعض الفنادق والمنتجعات الفخمة داخل الدولة بناءً على طلب من إداراتها، نظراً لشدة إقبال السياح عليها، خاصة على الشواطئ وحول أحواض السباحة وفي الحدائق وفي أماكن تناول الطعام.
أدوات المهنة
وفي السنوات العشر الماضية أخذت تظهر بيوت العريش الراقية في حدائق المنازل والقصور، وأصبح وجودها ضرورياً في المدن بعدما كانت تقتصر في السابق على مناطق «المقيظ».
وتتوفر أدوات المهنة والمواد الخام في السوق، ولا يستغرق تشييد بيت العريش يوماً واحداً من الصباح إلى المساء، وتكلفته مناسبة، وتختلف حسب المساحة والتصميم.