بيان الكتب: يؤرخ هذا الكتاب لفترة زمنية امتدت قرنا كاملا ولم يتناولها أحد بالدراسة والمتابعة حتى اليوم في المجال المسرحي والتمثيلي، وقد نهض بهذا العبء ، الباحث الفنان محمد هلال دملخي الذي مارس الفن المسرحي وعايشه أكثر من ربع قرن، مما أهله لأن يقوم بعمله خير قيام، عن جدارة واستحقاق. ولم يدخر وسعا من أجل الرجوع إلى المصادر الأصلية، والمراجع المفيدة، في بطون الكتب والوثائق والنشرات الخطية والمطبوعة وفي لقاء عدد وافر من الفنانين المعمرين الذين يختزنون في ذاكرتهم المراجع غير المكتوبة. يحتوي الكتاب على تأريخ للحياة المسرحية في حلب، مع تتبع دقيق وشامل لكل من شارك في هذا الميدان خلال مئة عام. ومنه نعرف فضل هذه المدينة ومآثرها في الجانب الذي تصدّى له المؤلف، كما يقول الأستاذ محمد فاخوري في تقديمه له.. إذ لم يغفل ناديا ولا جمعية ولا مؤسسة كان لها نصيب في هذا الموضوع إلا ذكره ونوّه به، مهما كان شأنه ودوره. عرض المؤلف ذلك كلّه في حياد وموضوعية، فكان يتحرّى الحقائق والوقائع ويقدّمها إلى القاريء كما ينبغي أن تقدّم ويعطي كلا حقه وفضله غير منقوصين. وفي صفحات الكتاب كثير من اللفتات الجميلة والمواقف الطريفة التي يذكرها المؤلف كما سمعها أو رآها، من خلال سرد مضامين المسرحيات وملابساتها أو من خلال ذكره لمؤسسي النوادي والجمعيات المسرحية في حلب، فيضع بين أيدينا أسماء لشبان أصبحوا فيما بعد أعلاما في الأدب والشعر أو في المسرح والإدارة والسياسة، من أمثال: عمر أبو ريشة، وعلي الناصر وفتح الله الصقال وخالص الجابري وغيرهم، فضلا عمن قدم إلى حلب من الفنانين المصريين، من أمثال: الشيخ سلامة حجازي ويوسف وهبي وفاطمة رشدي وغيرهم. يقول المؤلف عن كتابه: «وقد توخيت الدقة في الترتيب والتنسيق والتوصيف ما أمكنني ذلك، فلعل الممثل المحترف يجد فيه من المتعة والحنين إلى الماضي والهاوي الناشيء يحظى منه بالخبرة والمعرفة وقد يضع بين يدي الدارس أو الباحث وثيقة تاريخية من المعلومات الجديدة في توثيق المسرح في حلب.. كما أنني قمت بتصحيح كثير من المعلومات الخاطئة بما يخص تأسيس بعض الفرق المسرحية وغيرها، معززا ذلك بالوثائق والأختام التي تؤكد صحة المعلومة». المسرح ما قبل المسرح يقسم هذا الباب إلى ثلاثة فصول، يبدأ الأول منها بتعداد الفرق المسرحية الوافدة إلى حلب: العربية والأجنبية والمحلية. وتناول المؤلف باختصار أعمال هذه الفرق، فمن الفرق العربية: فرقة الشيخ سلامة حجازي وجورج أبيض ويوسف وهبي وفاطمة رشدي وأمين عطا الله ونجيب الريحاني وناديا العريس وعلي الكسار وفؤاد المهندس وزكي طليمات وزكي رستم واسماعيل يس وصولا إلى فرقة المسرح القومي المصري وفرقة المسرح الوطني الكويتي والوطني التونسي، وفرقة أحمد بدير وسمير غانم إلى فرقة الورشة المصرية. ومن الفرق الأجنبية: فرقة كوجوك بك وفرقة أرطو غول بك خلال القرن العشرين إلى الفرقة الفرنسية للكوميديا والفرقة التمثيلية الفرنسية وفرقة روستوك الألمانية وفرقة شكسبير البريطانية، والبولوشوي الروسية والروتاتيف الفرنسية إلى فرقة موليير الفرنسية. ومما لا شك فيه أن هذه الفرق المسرحية التي وفدت إلى حلب منذ بداية القرن العشرين كان لها الدور الأساسي في إيجاد وتنمية الروح المسرحية كإلقاء الشعر ورواية الحكايات ورقصات الحرب والسيف والاحتفالات الدينية وما يصاحبها من حلقات الذكر والأناشيد والأغاني ورقص السماح والحركات الإيمائية والتشخيص وموكب العرس الحلبي وموكب حفلة الطهور وحفل (ختمة) الصبيان للقرآن الكريم وموكب عودة الغائب (موكب استقبال الحاج واستقبال السجين واستقبال المسافر). إلى جانب بعض الأشكال الشعبية، مثل مسرح كراكوز وعيواظ ومسرح خيال الظل وصندوق الدنيا. الولادة الأولى للمسرح الحلبي اعتبر الباحث أن ولادة المسرح الحلبي كانت على يد الفنان «يوسف نعمة الله جد» (1842 ـ 1903) مسرحية «بريجيت» التي عرضها على مسرح المدرسة المارونية بحلب عام 1872 وحضر تمثيلها النخبة المنتجة من أعيان الشهباء ووجهائها وأدبائها، يتصدّرهم الوالي عثمان باشا وكبار الموظفين. وقد ظهر في تلك الفترة أدباء ترجموا روايات عدة للمسرح، منهم: توما أيوب وأوغسطين عازار، بعد ذلك قدّم أنطون ربّاط عام 1910 مسرحية «الرشيد والبرامكة» وهي تأليفه، تتناول التاريخ العربي الإسلامي حول «نكبة البرامكة»، تلا ذلك تأسيس أول فرقة مسرحية، عرفت باسم فرقة «عيدو» قدمت فصولا هزلية باللهجة العامية ولم يكن عدد أفرادها يزيد على خمسة أشخاص، وكانت العروض تجري في باحات الدور وإيواناتها بدعوة من كبار أغنياء حلب. ثم استقرت الفرقة، بعد أن استأجرت داراً كبيرة، فأصبحت تمتلك مكانا محددا وجمهورا من الشعب لا ينتهي وغيرت اسمها إلى «فرقة نجمة سوريا». وأثناء ذلك كانت فرق المدارس والنوادي تقدم مسرحيات تاريخية ووطنية تندد بالاحتلال وكان من أعلامها: عبدالوهاب صابوني، الشاعر عمر أبو ريشة، خير الدين الأسدي ومعروف الدواليبي وأسماء أخرى لمعت فيما بعد في المجالات كافة. خصص الكاتب الباب الثالث لمسرح العشرينات وتناول فيه الفرق الأرمنية ونوادي التمثيل التي تشكلت في إطار الطوائف المسيحية، إضافة إلى فرقة أنصار التمثيل وفرقة نادي الصنائع النفيسة. وعلى هذا الأساس يتتابع التقسيم الزمني كل عشر سنوات، وفي هذا التقسيم تندرج الفرق المسرحية ومؤسسها وممثلوها وأعمالها بالتفصيل الدقيق وسوف نجد أعمالا مقدمة لكتاب عالميين، مثل (شكسبير، إبسن، شفارتس، سارويان، تولستوي، موليير، برنارد شو وغيرهم). وكتاب عرب ومحليين، مثل (جورجي زيدان، توفيق الحكيم، عمر أبو ريشة، يوسف وهبي، عزيز أباظة، علي أحمد باكثير، أديب النحوي، سهيل أدريس، سعد الله ونوس، علي سالم وغيرهم). وقد بلغ عدد الفرق المسرحية 114 فرقة، قدمت 1056 عملا مسرحيا وبلغ عدد الممثلين المشاركين 12572 وعدد الممثلات المشاركات بالمسرح 264. ... إن كتاب «مسرح حلب في مئة عام» أول كتاب شامل يؤرّخ للحياة المسرحية في حلب خلال القرن العشرين كله، وهو رائد لكل من سيؤلف في هذا الميدان وسوف يوقن قارئه أنه موسوعة نوعية ضخمة لكل فعاليات النشاط المسرحي والتمثيلي، على الصعيدين: الأهلي والرسمي في مدينة سيف الدولة. فيصل خرتش