يتعرض التراث الإنساني في العراق للنهب والتدمير بشكل بلغ أشده بتحطيم تنظيم داعش آثار متحف نينوى في الموصل. DW عربية حاورت حول هذا الحدث خبيرة الآثار مارغريتا فان إس مدير قسم المشرق في "المعهد الألماني للآثار " ببرلين.
يضم متحف نينوى في مدينة الموصل شمال العراق التي يسيطر عليها تنظيم داعش آثار تعود للحضارتين الآشورية والأكدية. وقد نشر تنظيم داعش فيلم فيديو يصور وقائع تدمير النفائس التي تعود غالبا إلى الحضارة الأشورية وما بعدها. لتسليط الضوء على هذا الموضوع وعن عمليات النهب والتهريب للآثار السورية والعراقية، حاورت DW عربية الدكتورة مارغريتا فان إس، المديرة العلمية لقسم المشرق في "معهد الآثار الألماني" في برلين، والتي تعد خبيرة بالآثار العراقية القديمة، حيث تخصصت بها أكاديمياً وشاركت بالتنقيب في أوروك وفي عدة مواقع أثرية في العراق والشرق الأوسط.
DW: هل لديك تفاصيل عن عمليات التدمير التي تمت وهل دمرت الكنوز الأثرية بالكامل أم لا؟
كل ما لدي من معلومات عن التدمير مأخوذ من الفيديو، الذي بثه الموقع الإلكتروني لمجلة دير شبيغل، ممكن أن يكون هناك فيديوهات أطول ولكني لم أشاهدها، ولكني ولأسباب عاطفية لم أستطع مشاهدة الفيديو بتمعن.
التماثيل المدمرة يعود بعضها "لمملكة الحضر" الموضوعة على قائمة اليونسكو للتراث الإنساني(مملكة الحضر مملكة عربية ازدهرت في القرنين الأول والثاني قبل الميلاد). وكما يظهر بالفيديو، تم تخريب وتحطيم ثوريين مجنحين أشوريين من مدينة نينوى. دُمر إحداها في داخل المتحف والآخر على أسوار مدينة نينوى، وهذان الثوران هما قطع أصلية، أما تماثيل مدينة الحضر فيبدو بعضها قطع أصلية والأخرى ليست كذلك. تفاصيل أكثر وأدق لا نملك حتى اللحظة.
ما أهمية هذه الكنوز الأثرية؟
لا يظهر الفيديو عمليات تدمير لقطع آثرية أخرى من نينوى غير الثورين المجنحين. ويُخشى من أن يكون هناك المزيد من التدمير لأثار نينوى لم تظهر في الفيديو. وهذا التدمير يعتبر كارثة لأن بعض القطع لم يجر لها عملية أرشفة علمية بشكل كامل.
القطع الأثرية الأصلية العائدة لمملكة الحضر تشكل أهمية بالغة. بعض هذه القطع تماثيل لملوك، وأخرى لشخصيات مؤثرة، والبعض تشير للقوافل التجارية. وهي بمجموعها تؤكد على اهتمام الملوك البارثين بمدينة الحضر، التي لم تكن تبعد كثيرا عن الحدود البارثية الرومانية. للقى الأثرية من مملكة الحضر طابع أثري خاص جدا، وهذا الطابع لم يكون معروفا لا على المستوى العلمي ولا حتى التاريخي. وبتدميرها فقدنا القدرة على متابعة دراستها علميا، الأمر الذي يجعل الخسارة فادحة، بغض النظر عن قيمتها المادية.
بعد هذه المجزرة، ما ذا بقي من آثار النمرود؟
كثير من الآثار الأشورية مازالت موجودة، فلا توجد كل آثار نينوى في الموصل ولكن في أماكن أخرى. ومن جهة أخرى لم يتضح بعد ماذا حصل للقطع الأخرى في الموصل. من المبكر الفصل بذلك الآن، ربما يستطيع الزملاء في المتحف العراقي إعطاء مزيد من التفاصيل.
في ظل ضعف الدولة العراقية وسيطرة داعش على أجزاء واسعة من البلد، من يتحمل مسؤولية حماية الآثار العراقية؟
أخشى أن لا يمكن حماية التراث العراقي إلا بالقضاء على داعش. لا يمكن القيام بعملية لإنقاذ التراث والآثار لوحدها. أقصى ما يمكن فعله هنا هو أرشفة ومعرفة ما تم بيعه وتدميره للقيام بإعادة بنائه وترميمه لاحقا. ولكن هذا لا ينقذ القطع الأصلية.
من يجب أن يأخذ زمام المبادرة؟ ومن يجب أن يتحمل المسؤولية؟
إنها مسؤولية المجتمع الدولي للتدخل ضد هذا التنظيم المصاب بمرض التدمير: تدمير الفن والإنسان والمجتمع. ولكنها أيضا مسؤولية الدول والمجتمعات الواقعة تحت تهديد داعش أن تتحرك ضده.
طلبت اليونسكو اليوم عقد جلسة خاصة لمجلس الأمن، ما الذي يجب على مجلس الأمن فعله؟
ربما يتم اتخاذ قرار فقط للتحرك ضد داعش. أعتقد أن من غير المفيد فصل تدمير الآثار عن قضية قتل وتهجير البشر.
تقوم داعش بتمويل ميزانيتها القتالية من تهريب الآثار وبيعها، هل لديك معلومات عن هذا الأمر؟
يزودنا زملاؤنا وأصدقاؤنا في العراق وسوريا بمعلومات مفادها أن داعش تموّل نفسها بفرض الضرائب على كل أنواع التجارة ومنها تجارة الآثار.ولكننا لم نسمع حتى الآن أن داعش نفسه يقوم بالتنقيب عن الآثار لبيعها. يترك داعش عملية البحث عن الآثار ونهبها لتجار الآثار غير الشرعيين، الذين ينشطون بشكل كبير في المنطقة الآن. الأكيد أن كل الآثار التي تأتي من سوريا والعراق وحتى بلدان أخرى في المنطقة هي قطع يتاجر بها بشكل غير شرعي.
بناء على قولك ووفقا لتقارير إعلامية فقد وصلت المئات من القطع الأثرية السورية والعراقية إلى أوروبا. ما الذي يجب فعله حيال ذلك؟
يجب علينا إثارة الموضوع من جديد في الرأي العام. لو لم يوجد مُشتر، لما كان هناك بائع. إنها آلية العرض والطلب. يجب توضيح الأمر التالي لمحبي اقتناء القطع الأثرية: أغلب القطع المعروضة هي مهربة بطريقة غير مشروعة، وبشرائهم لها يساهمون بتمويل ليس المافيا فقط، ولكن الإرهاب أيضا.
وأيضا لا بد من تعديل القانون ليجبر البائع على الكشف عن المنشأ الأصلي للقطع. وهذا لا يحصل حتى الآن، مع الأسف. صحيح أن هناك حظر على الاتجار بالآثار السورية والعراقية، ولكن نتيجة وجود ثغرة عدم التصريح عن المنشأ، يصعب سحب هذه القطع من السوق.
هل أنت متفائلة؟ أم ترين مستقبلا أسود؟
أنا دائمة التفاؤل، لأني مؤمنة بقدرة الإنسان على بناء مجتمع مسالم متسامح، ولكن على مدى المستقبل القريب أنا متشائمة، وأخشى أنه لا يمكن حماية الناس في سوريا والعراق إلا عن طريق تدخل عسكري، وهذا ليس بالأمر السهل فربما ينطوي على كوارث كبيرة أيضا.
كنت قد عملت بالبحث العلمي في العراق وقدت التنقيب في مدينة أوروك التاريخية، ماذا يعني ما جرى لك شخصياً؟ وكيف هو شعورك؟
شخصيا، ما حدث مصيبة. لقد دمرت شواهد عظيمة على بشر عظماء بنوا حضارات عظيمة على الصعيدين المادي والفني، هذه الحضارات السابقة وفرت لنا تراكما حضاريا هاما للمعرفة.