تتوالى حوادث غرق المهاجرين السريين المتجهين إلى أوروبا عبر البحر المتوسط في مشهد درامي يدق ناقوس الخطر بشأن ظاهرة تتفاقم رغم كل الإجراءات التي تم اتخاذها للتصدي لها حتى الآن.
مأساة أخرى تنضم لقائمة مآسي غرق المهاجرين السريين في عرض البحر المتوسط.
فبعد فاجعة غرق نحو ألف مهاجر سري الأحد الماضي، أعلنت المنظمة الدولية للهجرة يوم الاثنين أن سفينة تقل أكثر من 300 شخص غرقت في البحر المتوسط.
ظاهرة غرق سفن وقوارب محملة بمئات المهاجرين السريين عرفت ارتفاعا كبيرا، حسب الخبراء، منذ اندلاع ما سمي بأحداث الربيع العربي وتدهور الأوضاع الأمنية في بعض الدول التي شهدت ثورات.
وبينما تتلقى دول الاتحاد الأوروبي اتهامات بتحملها مسؤولية عدم إنقاذ من يغرقون قبالة سواحلها، يلقى باللوم في أحيان كثيرة أيضا على الدول العربية التي أصبحت مصدرة بشكل كبير لهؤلاء المهاجرين، فما هي مسؤوليتها في تزايد الهجرة السرية وما الذي يمكنها القيام به؟
خطة أوروبية
وأدى تزايد حوادث غرق المهاجرين السريين المتدفقين من ليبيا الغارقة في الفوضى، بالدول الأوروبية إلى الاستنفار من أجل إيجاد سبل للتخفيف من هذه الهجرة، فقد قرر الاتحاد الأوروبي الاثنين عقد قمة استثنائية يوم الخميس(23 أبريل 2015) من أجل مواجهة مأساة المهاجرين في البحر المتوسط بعد سلسلة من حوادث الغرق أوقعت مئات القتلى منذ مطلع العام.
وقدمت المفوضية الأوروبية يوم الاثنين خطة عمل من عشر نقاط لمواجهة تهريب المهاجرين وللحيلولة دون تعريض حياتهم للخطر لدى محاولتهم عبور البحر المتوسط نحو أوروبا.
وستناقش النقاط العشر خلال القمة الاستثنائية لقادة الاتحاد الأوروبي المقررة الخميس في بروكسل. كما ستقدم المفوضية الأوروبية "استراتيجية" حول الهجرة واللجوء، حسب ما أعلن عنه مفوض الشؤون الداخلية ديمتريس أفرامابولوس.
ويقول المهدي لحلو الأستاذ في المعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي بالرباط والخبير في قضايا الهجرة إن عدد المهاجرين السريين ارتفع بشكل كبير منذ اندلاع الربيع العربي ويضيف في حوار مع DW عربية "عددهم في العام 2014 وصل إلى 270 ألف مهاجر، مات منهم 3000 شخص، ومنذ مطلع العام الحالي توفي 1500 شخص حاولوا الهجرة بطرق سرية إلى أوروبا".
ويضيف الخبير المغربي أن 95 بالمائة من المهاجرين السريين عبر البحر المتوسط يأتون من ليبيا.
ويعود تزايد هذه الظاهرة بهذا الشكل إلى عاملين باعتقاده: هما الحرب الطاحنة في سوريا والوضع المضطرب في ليبيا. ويقول "هذه الظروف دفعت بأعداد هائلة من المهاجرين من سوريا ودول جنوب الصحراء في إفريقيا بالتوجه نحو ليبيا مستفيدين من غياب أي سلطة هناك".
الوضع الأمني
وعن مسؤولية الدول العربية المصدرة لهذه الهجرة، في تزايد ضحايا غرق قوارب الهجرة السرية المتجهة نحو أوروبا، يقول أمير الحمد وهو كاتب سوداني مقيم في برلين متخصص في قضايا الهجرة إن الوضع الأمني في دول عربية هو الذي أدى إلى تزايد هذه الظاهرة، ويضيف أن هذه الدول تتحمل مسؤولية تزايد الضحايا.
ويوضح ذلك خلال مقابلة أجرتها معه DW عربية قائلا "الدول العربية مستضعفة حاليا بسبب غياب الأمن فيها.
هذا العنصر هو الذي زعزع أوضاع الشباب في هذه الدول وجعلهم يحاولون الهجرة بكل الطرق والحل الأساسي للحد من هذه الظاهرة أو التخفيف منها هو العمل على استعادة الأمن ومحاربة البطالة وتعزيز دور الإعلام في دول الهجرة لتحسيس الشباب بخطورة هذا النوع من الهجرة ".
وهو ما يتفق معه أيضا الخبير المغربي لحلو إذ يقول إن مسؤولية الدول العربية في هذا الموضوع مطروحة في إعادة الأمن والسلم والاستقرار في سوريا وليبيا وباقي المناطق المشتعلة، وإلا فإن الظاهرة ستستمر.
ويقول لحلو إن الدول العربية يجب أن تدخل في نقاش مع الاتحاد الأوروبي لإيجاد حلول استباقية "لا يكفي الدور الأمني أو الاحتياطات، يجب تنظيم مؤتمر إقليمي يضم كل الأطراف المعنية بحل هذه الأزمة. ينبغي أن توفر لهؤلاء إمكانية عيش آمن وكريم في بلدانهم بحيث لا يحتاجون للهجرة".
ويبدو الاتحاد الأوروبي مستعدا لإعادة النظر في إعادة توزيع طلبات اللجوء على الدول ال28 الأعضاء فيه وليس فقط في إيطاليا واليونان وإسبانيا ومالطا وقبرص التي هي بوابات الدخول الأساسية إلى الاتحاد الأوروبي.
مسؤولية مشتركة
وكان الاتحاد الأوروبي يبدي ترددا حتى الآن، إذ يخشى أن يؤدي تعزيز عمليات الإغاثة في البحر والالتزام باستقبال عدد أكبر من المهاجرين، إلى تدفق أعداد أكبر. وأعلنت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أن 35 ألف لاجئ وصلوا على متن قوارب إلى جنوب أوروبا منذ مطلع العام.
ويأمل الأوروبيون في تعاون مع الدول التي ينطلق منها المهاجرون والتي يمرون بها من أجل ضبط تدفقهم. كما يمارس الاتحاد الأوروبي ضغوطا كبيرة من أجل تشكيل حكومة ائتلاف في ليبيا لوضع حد للفوضى المنتشرة في البلاد وذلك من أجل وقف تدفق المهاجرين الأفارقة واللاجئين السوريين انطلاقا من أراضيها.
ويقول الحمد إن المسؤولية عن تزايد هذه الحوادث المأساوية تتقاسمها بالمناصفة دول الاتحاد الأوروبي والدول المصدرة للمهاجرين.
ويشرح ذلك قائلا "هي مسؤولية مشتركة. الدول العربية مسؤولة لأنها لم توفر حياة كريمة لهؤلاء المهاجرين في بلدانهم. والدول الأوروبية لأنها لم تقدم حلولا واسعة لاستقبال هؤلاء المهاجرين، بل إن هناك من يغرقون في سواحل إيطاليا واليونان على مرأى خفر السواحل".
من جهته يعتبر الخبير المغربي لحلو أن المسؤول الأول عما يقع لهؤلاء المهاجرين هو الوضع في سوريا وليبيا بالإضافة إلى التخلف في دول جنوب الصحراء الإفريقي.
"وأوروبا لديها مسؤولية فيما وصلت إليه هذه الدول الإفريقية من تخلف وغياب تنمية وهو ما يجر عليها اليوم هذا الكم من المهاجرين السريين".