يواصل النازيون الجدد هجماتهم ضد اللاجئين في ألمانيا الذين يأملون فقط في العيش في سلام وأمان. في برنامج DW "شباب توك" يحكي مواطنون سوريون بأحد مراكز إيواء اللاجئين في برلين رحلة مغادرة وطن فتكت به الحرب.
عندما كانت صغيرة السن كانت رانية تحلم بالعيش في بيت مع زوج وأطفالعندما تكبر،وأن لا تغادر عش أسرتها أبدا. تحققت بعض آمالها، حيث إنها تزوجت وأنشأت أسرة، ثم سكنت في بيتها في سوريا. ولكن بعد أن قتل أحد أبنائها بالرصاص، قررت المرأة المسنة الآن مغادرة البيت والوطن، رفقة ابنها الثاني.
ما حدث لاحقا لا يختلف كثيرا عما تقدمه التقارير التلفزيونية. الرحلة في طريق العذاب بدأت في تركيا ثم عبورها إلى اليونان بقارب صغير، ثم إلى صربيا، وهنغاريا ودخول السجن، إلى أن وصلت إلى ألمانيا، حيث كان من المفترض أن تكون المحطة الأخيرة، والتي تبدأ أولا بمركز إيواء اللاجئين. إنه مسار الرحلة التي يقوم بها غالبية اللاجئين السوريين في بحثهم عن طوق النجاة. "أنا امرأة عجوز لا حول لي ولا قوة"، تقول رانية، "في قطار بصربيا ضربني رجال الأمن. وفي تركيا أخذ مني البوليس كل ما أملكه حتى عطري".
تجلس رانية أمام التلفاز بفستانها الأزرق الفاتح ، وتضع منديلا بنيا على رأسها لحجب رؤية شعرها. كما تجلس مرات أخرى على مقعد إلى جانب نساء ورجال في إحدى الغابات على أطراف العاصمة برلين. لا توجد سيارات بعين المكان، وهناك يمكن للأطفال اللعب بحرية. في محيط هذا المكان يعيش نحو 780 شخص من طالبي اللجوء من جنسيات مختلفة، حيث يقيمون في مبنى كان يستخدم في السابق كمأوى للعجزة قبل أن تقفل أبوابه لسنوات. وقد أعيد فتحه لإيواء الوافدين الجدد من جميع أقطار المعمورة. بعضهم يتحدث العربية، والبعض الآخر يتكلم داري أو اللغة الفارسية أو الصربية أو تغرينيا. إلتقى هؤلاء في مبنى واحدا في ألمانيا بعد أن غادروا أوطانهم وبلداتهم. وفي هذا اليوم (24 أغسطس/آب 2015)، تزورهم القناة الألمانية DW.
خوف وعوز وارتباك
في برنامج "شباب توك" يحكي هؤلاء عن معاناتهم، ويفضل أغلبهم عدم الكشف عن هويته ، حيث يخشون الملاحقة حتى في مكان إقامتهم وسط تلك الغابة في برلين. نسرين شابة في الثامنة والعشرين من العمر من حمص السورية. كان زوجها معتقلا، عندما غادرت البلد برفقة أخيها وأربعة أطفال. وكان عليها أن تمر عبر المحطات المذكورة آنفا، بدءا بتركيا، مرورا باليونان وصربيا حيث سجنت، قبل الوصول إلى ألمانيا. تعبر نسرين عن فرحها لأنها وصلت "مع أطفالها إلى هنا"، وتقول "لقد تعرفت على أصدقاء جدد، وهذا ما سيمكنني من نسيان حزني".
تتحدث نسرين العربية كباقي ضيوف البرنامج، في بلد لم يتعلموا لغته بعد. ويقول لها مقدم البرنامج:"إن عينيك حزينتان". وتجيب نسرين "لأن سوريا لا زالت قابعة في الفوضى، والعديد من الناس هناك يعتقدون أن الحياة في أوروبا كلها ترف ومتعة، والحقيقة مختلفة تماما".
لاجئون بين هدايا الترحيب ومشاعر الكراهية
يعلم الجميع في مركز اللاجئين هنا بما جرى نهاية الأسبوع حين اعترض نازيون جدد حافلات تقل طالبي اللجوء في منطقة هايدنهاو شرق ألمانيا، حيث ألقوا بالحجارة والمواد الحارقة والقناني على الحافلة. ولأن العديد من اللاجئين في تواصل مستمر بينهم عبر شبكات المواقع الاجتماعية، فإنهم يتابعون الأخبار عبر فايسبوك وتوتير وغيرها. لكن لا أحد يتحدث سلبا عن ألمانيا والألمان، الجميع يشكر على المساعدات المقدمة للاجئين من قبل مؤسسات ومتطوعين. ويؤكد المتحدثون في برنامج شباب توك أنهم يتطلعون إلى المستقبل.
بالنسبة لهؤلاء اللاجئين فالوضع معقد. فهم يقيمون في غرف ضيقة وينامون على لحاف على الأرض ولاتفارقهم صور حياة الحرب. لقد غادروا وطنهم الأصلي لأنه أصبح مدمرا وغارقا في الدماء. وفي بحثهم عن موطن جديد، يتم استقبالهم بالهدايا تارة، وبمشاعر الكراهية تارة أخرى. إنهم يمضون وقتهم في انتظار تصاريح الإقامة والعمل، ويأملون في أن تتمكن عائلاتهم من اللحاق بهم في المستقبل القريب.
في نهاية البرنامج يسأل مقدم البرنامج، جعفر عبد الكريم أحد الشباب السوريين:"ما هي رسالتك"؟ الجواب: "ليس لدي أية رسالة". وبعد صمت وجيز يضيف الشاب قائلا: "أن تتعاطفوا معنا".