الجمعة 24 رمضان 1423 هـ الموافق 29 نوفمبر 2002 قال الدكتور حجازي الجزار الخبير بمعهد التخطيط القومي المصري في محاضرة ألقاها في مركز زايد للتنسيق والمتابعة تحت عنوان: (محددات بناء القوة التنافسية في الاقتصاد الوطني - ملامح من التجربة اليابانية)، إن الميزة التنافسية التي تم خلقها في الاقتصاد الياباني لم تنظر إلى الأجل القصير كأساس للتنمية وإنما اعتمدت على سياسات الأجل الطويل. وأضاف أن الميزة التنافسية في الاقتصاد الياباني لم تعنِ فقط القدرة على زيادة حجم الصادرات الوطنية إلى الأسواق الدولية ولكن عنت بالأساس استخدام هذه القدرة في تطوير معدلات النمو والتشغيل في الاقتصاد القومي ولا سيما في الأجلين، القصير والطويل. وأكد على أن المعجزة الاقتصادية التي حدثت في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية جاءت نتيجة للسياسات الاقتصادية الفعّالة التي شكّلت حجر الأساس في بناء الميزة التنافسية للاقتصاد الياباني على الرغم من افتقاده لرأس المال العيني في ذلك الوقت. مضيفا بأن الوثائق الرسمية للحكومة اليابانية أشارت إلى عدم كفاءة الجهاز الإنتاجي الياباني في أعقاب الحرب العالمية الثانية، حيث أن المعدات والآلات كانت بالية ومن النوع القديم، ولا تسمح بالإنتاج على النطاق الكبير ولا بالمعايير الدولية. وفي السياق التاريخي ذاته أشار إلى أنه لوحظ في ذلك الوقت أن منتجات الصناعات الثقيلة كانت أكثر كلفة بما يقرب من 30-40% عن مثيلتها في الدول الأخرى وذلك بسب ارتفاع تكلفة المواد الخام وانخفاض إنتاجية القطاع الصناعي، موضحا أنه في منتصف الخمسينيات كانت معدلات الإنتاجية في صناعات الحديد والصلب اليابانية حوالي نصف معدلاتها في الاقتصاد الأمريكي, في حين كانت الأجور تعادل خُمس مثيلتها في الولايات المتحدة الأمريكية. وقال إن اليابان لم تكن لديها ميزة مقارنة مطلقة أو نسبية في إنتاج السلع الرأسمالية, وعلى العكس من ذلك فان إنتاجية اليابان في صناعات الغزل والنسيج القطنية كانت غالباَ في نفس مستوى إنتاجية الولايات المتحدة، وأكثر قليلاً من مستوى الإنتاجية في دول أوربا الغربية، مشيرا إلى أن اليابان في ذلك الوقت كان لديها ميزة نسبية في المنتجات النسيجية والسلع القطنية بالمقارنة مع الولايات المتحدة وأوروبا الغربية شركاؤها الأساسيون في التجارة الدولية. وعلى الرغم من ذلك أوضح المحاضر أن نماذج التجارة والإنتاج في الاقتصاد الياباني قد سلكت طريقاً مختلفاً عما رسمته نظريات التجارة التقليدية من حيث التخصص وتقسيم العمل الدولي. ولفت الدكتور حجازي إلى أن الحكومة اليابانية تبنت سياسة اقتصادية اعتمدت بشكل أساسي على دعم مجموعة معينة من الصناعات الأساسية من أجل إعادة بناء وتحديث القطاع الصناعي واستعادة قدرة الاقتصاد القومي على النمو، مركزة بصفة أساسية على الصناعات الثقيلة من أمثلة الحديد والصلب، الكيمياء، وبناء السفن، في المرحلة الأولى من برنامج الحكومة اليابانية، ثم تلا ذلك في المرحلة الثانية من البرنامج، الصناعات أو القطاعات كثيفة المعرفة. وأضاف أن التجربة اليابانية تشير إلى عوامل محددة ساهمت بدرجة حاسمة في خلق الميزة التنافسية للاقتصاد الياباني وبصفة أساسية في القطاع الصناعي، وذكر من هذه العوامل، اختيار وتبني مجموعة من الصناعات المشرقة، حيث ركز صانع السياسة الياباني على نوعية معينة من الصناعات، ونوعية معينة من المنتجات ذات الطلب العالمي المتزايد في المستقبل البعيد. وأشار إلى أن نتيجة تلك السياسة كانت قائمة طويلة من المنتجات الأجنبية المتميزة التي تم تبنيها من قبل المخطط الياباني من أمثلة: الصناعات السويسرية، الحديد الأميركي والبريطاني، السفن الأوروبية، التلفزيونات الأميركية والكندية والبريطانية، الكاميرات الألمانية، الماكينات والآلات البريطانية والأميركية، السيارات الأميركية والأوروبية... الخ. من ناحية أخرى، يرى الخبير بمعهد التخطيط القومي المصري أنه في بداية السبعينات عندما حدث ارتفاع مفاجئ في أسعار النفط (ثلاثة أضعاف السعر فيما قبل عام 1974) وما سُمّي في ذلك الحين « بصدمة البترول الأولى»، أصبحت المنتجات اليابانية غير تنافسية، مضيفا أنه للخروج من هذا المأزق، حدث ما يشبه ثورة في كل قطاعات الإنتاج الرئيسية، حيث حل التحكم الإلكتروني محل التحكم الميكانيكي، وحلت الإجراءات الموفرة للطاقة محل الإجراءات كثيفة الطاقة. وأضاف أن كل ذلك كان مصحوباً بإحلال ضخم في رأس المال العيني والبشري، وأن ما حدث كان عبارة عن تكيَف سريع بإعادة تحديث الآلات وتكنولوجيا الإنتاج والاقتصاد ككل.