شهدت خريطة إنتاج واستهلاك النفط تغيرات كبيرة خلال الفترة الأخيرة مما أدى إلى بروز الكثير من التوقعات التي تتحدث عن ولادة واقع جديد لمملكة الطاقة.

وبات من الواضح أن دولا مثل الأكوادور وفنزويلا، إضافة إلى منتجين جدد في القارة الافريقية سيكون لها تأثير قوي على سياسات أسواق الطاقة في المستقبل القريب.

وعلى مستوى الاستهلاك لم تعد الولايات المتحدة هي المسؤول الأوحد عن تذبذبات الأسواق، ولم تعد لديها القدرة بمفردها على الإمساك بحبل الطلب واللعب به على أوتار الأسواق.

وتقول الإحصاءات المتوافرة إن الطلب الأميركي على صادرات منظمة الدول المصدرة للنفط يشكل 13% فقط مقابل 58% لدول آسيا والمحيط الهادي، و21% بالنسبة لدول أوروبا. وارتفعت حصة دول آسيا من الاستهلاك العالمي للنفط من 18% في ثمانينات القرن الماضي إلى 27% خلال السنوات الأخيرة.

وأكدت وكالة الطاقة الدولية في أحدث تقرير لها أن الاقتصاد العالمي المزدهر يدعم نمو الطلب على النفط. وقالت الوكالة التي تقدم المشورة لست وعشرين دولة صناعية كذلك إن القيود على الانتاج في نيجيريا والعراق قلصت الطاقة الإنتاجية الفائضة عن الحاجة لدى أوبك إلى 9 ,1 مليون برميل يوميا فقط.

ودفعت اضطرابات الإمدادات أسواق النفط التي يبلغ حجمها نحو 85 مليون برميل يومياً الأسعار إلى مستويات أخافت المستهلكين خلال الأشهر القليلة الماضية. ولا يزال هاجس الاضطراب يسيطر على اهتمام كافة الأطراف.

وفي هذا الإطار قال الأمير تركي الفيصل سفير السعودية لدى الولايات المتحدة إن أسعار النفط العالمية قد تقفز إلى أكثر من 200 دولار للبرميل إذا تطورت المواجهة الدبلوماسية الحالية بشأن برنامج إيران النووي إلى مواجهة مسلحة.

وأوضح الدبلوماسي السعودي «بافتراض أن أسعار النفط كانت عند مستوياتها الحالية قرب 70 دولارا للبرميل وقت الهجوم ربما يزيد يزيد سعر النفط إلى مثليه أو ثلاثة أمثاله نتيجة للمواجهة». وأضاف «فكرة أن يطلق شخص ما صاروخا على منشأة نفطية في مكان ما ستقفز بأسعار النفط فلكيا».

يتخوف متعاملون في أسواق النفط من أن إيران ثاني أكبر منتج للخام في أوبك قد توقف الصادرات في حالة تصاعد النزاع. ويرى المحللون أن ذلك هو السبب الرئيسي الذي يدفع الرئيس الأميركي جورج بوش إلى إعطاء الأولوية للجهود الدبلوماسية مع رفضه استبعاد الخيارات العسكرية في حالة فشل المحادثات.

ورأى الفيصل انه نظرا لاعتماد كافة المنتجين في الشرق الأوسط على مضيق هرمز لإيصال نفطهم إلى السوق فان أي تحرك عسكري في إيران قد يهدد إمدادات النفط من المنطقة بأسرها.

وتشكل إمدادات النفط التي تمر عبر المضيق نحو 20% من كميات النفط المتداولة عالميا وفقا لتقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية. ويتم نقل نحو 17 مليون برميل يوميا من النفط عبر المعبر المائي الضيق على ظهر ناقلات نفطية بحسب إحصاءات وكالة الطاقة الدولية.

ووفقاً لخبراء عسكريين فإنه في حال مهاجمة إيران ربما تتحول المنطقة بأسرها إلى جحيم من انفجار خزانات الوقود وقصف المنشات. والمعروف أن ذلك يسبب دماراً اقتصادياً كبيراً، حيث أشار في هذا الصدد نواف عبيد مدير مشروع تقييم الأمن القومي السعودي في الرياض ومستشار الأمن والطاقة الخاص للأمير تركي الفيصل ان المملكة خصصت أكثر من ملياري دولار في ميزانية 2006 لأمن منشآت النفط.

لكن ليست المخاوف الأمنية هي الوحيدة المسؤولة عن اضطراب الإمدادات، إذ يقول خبراء الطاقة إن النمو الاقتصادي القوي يرفع توقعات نمو الطلب العالمي على النفط في عام 2006 بمقدار عشرة آلاف برميل يوميا إلى 24 ,1 مليون برميل يوميا. كما أن الصين ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم تتوقع أن يبلغ معدل نمو الطلب على النفط فيها 6 ,8% في النصف الثاني من العام الحالي.

وفي الواقع يزداد اعتماد الدول الصناعية على اقتصاد عالمي تغذيه صادرات النفط الآتية من الشرق الأوسط، وتشير التقديرات إلى أن الاستهلاك العالمي سيرتفع إلى 7 ,89 مليون برميل عام 2010 وإلى 8 ,98 مليونا عام 2015 قبل أن يصل إلى 2 ,108 ملايين عام 2020 و 8 ,118 مليونا عام 2025.

ولا تزال منطقة الخليج هي محور الاهتمام فقد حافظت الدول المنتجة فيها على معدلات إنتاجها، بل تمكن بعضها من رفعها بشكل ملحوظ. وظلت شركة ارامكو السعودية في مركزها كأكبر شركة بترول في العالم خلال عام 2005 إذ بلغ إنتاجها 3,3 مليارات برميل من الزيت الخام فيما بلغت احتياطاتها 8 ,259 مليار برميل. وتمثل تلك الكمية ما يمثل ربع اجمالي الاحتياطات العالمية،

فيما بلغ إنتاج الغاز خلال ذات السنة 78 ,2 تريليون قدم مكعبة قياسية وزاد انتاج سوائل الغاز الطبيعي إلى 4 ,400 مليون برميل.

ومع تنامي المشكلات التي تحيط بمنطقة الشرق الأوسط التي تشكل أحد أهم مصادر النفط في الوقت الحالي، بدأت الدول المستهلكة الكبرى تتجه نحو غرب ووسط إفريقيا باعتبارها المصدر البديل للنفط بعد أن أسفرت عمليات التنقيب والاستكشاف عن ظهور كميات هائلة من النفط في هذه المناطق.

وقد أصبحت المنطقة الممتدة من خليج غينيا إلى السودان ساحة تنافس ضار بين شركات الطاقة العالمية التي تبحث عن خام نفط عالي الجودة وسهل التكرير وهو ما يتميز به الخام في هذه المنطقة من العالم. لكن على الرغم من ذلك التفاؤل المفرط لا يمكن التنبؤ بتطورات الاحداث في قارة إفريقيا بشكل عام في ظل تعدد بؤر التوتر السياسي والعرقي فيها وانتشار الجريمة والفساد في العديد من الدول المنتجة للنفط.

وقد أصبح نصيب إفريقيا من إجمالي انتاج النفط العالمي 11 في المائة في حين تتوقع الدراسات وصول هذا الرقم إلى 30 في المائة بحلول 2010. كما تمتلك القارة السمراء نحو 10 في المائة من إجمالي الاحتياطي العالمي. وتساهم كل من نيجيريا وليبيا ومصر والجزائر بنحو 80 في المائة من إنتاج القارة من النفط حاليا الذي يقدر بحوالي 10 ملايين برميل يوميا.

وبدأ خلال السنوات القليلة الماضية انضمام دول إفريقية أخرى إلى قائمة منتجي هذه السلعة الاستراتيجية مثل الجابون وجمهورية الكونغو والكاميرون وغينيا الاستوائية وتشاد والسودان. وقد أصبحت موريتانيا أحدث أعضاء النادي النفطي في القارة الافريقية عندما بدأت مؤخرا تصدير كميات تجارية من النفط الذي تستخرجه شركة أسترالية بطاقة وصلت إلى 75 ألف برميل يوميا.

وهناك احتمالات قوية بشأن وجود احتياطيات كبيرة من النفط في الصحراء الغربية المتنازع عليها. وقد استثمرت بالفعل الولايات المتحدة عشرات المليارات من الدولارات في قطاع الطاقة بغرب إفريقيا بعد أن ازدادت أهمية القارة الإفريقية بالنسبة لاستراتيجية الطاقة الأميركية، حيث أصبحت الولايات المتحدة تستورد حوالي 15 في المائة من وارداتها النفطية من إفريقيا.

وأصبح قطاع الطاقة نقطة الجذب الرئيسية للاستثمارات الأجنبية المباشرة في إفريقيا حيث يتجه أكثر من نصف هذه الاستثمارات إلى هذا القطاع مع ظهور لاعبين جدد في سوق الطاقة العالمية مثل الصين والهند لمنافسة بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة التي انفردت على مدى سنوات عديدة بالاستثمار في قطاع الطاقة بإفريقيا.

دبي ـ «مشهد البيان»: