اعتبر رأي مايكل وانغ رئيس محاكم مركز دبي المالي العالمي القضايا الناشئة عن التعاملات المالية الإسلامية بأنها تدخل ضمن اختصاص المحاكم طالما أن طرفي النزاع أو أحدهما مسجلان بالمنطقة الحرة التابعة لمركز دبي المالي و/أو ترتبط المعاملة محل النزاع بهذه المنطقة الجغرافية، مؤكداً أن المحاكم قادرة على النظر في هذه القضايا، وهي مستعدة للفصل في كافة المنازعات الخاصة بالأمور المالية الإسلامية، سواء كان القانون الحاكم لهذه المنازعة وطنياً أو مدنياً أو مستقى من أحكام الشريعة الإسلامية أو أي نظام قانوني آخر.

وميز مايكل وانغ في حديثه الخاص ل«البيان الاقتصادي» بين التكييف القانوني للمعاملات المالية الإسلامية من جانب، والاختصاص القضائي بالنظر فيها وتسويتها من جانب آخر، ففيما تقع الأولى ضمن دائرة اختصاص الممارسين القانونيين، تقع الثانية ضمن دائرة اختصاص القضاة.

وأوضح في هذا المجال أن محاكم مركز دبي المالي غير معنية بتطوير الصيغ القانونية للمنتجات المالية الإسلامية، فهو أمر وثيق الصلة بعمل الممارسين القانونيين الذين يوظفون مهاراتهم ومعارفهم في ابتكار مثل هذه الصيغ، وإنما هي معنية بالنظر في مثل هذه المنازعات والبت فيها طالما أنها تخضع لاختصاصها، وذلك بغض النظر عن الإطار القانوني الحاكم لها.

ولفت مايكل وانغ إلى أن المحاكم تمتلك مؤهلات تكفل لها تحقيق العدالة لدى قيامها بالنظر في قضايا التعاملات المالية الإسلامية، فمن جانب، تعمل المحاكم وفقاً للقانون العام الذي يتيح إمكانية تطبيق أي نظام قانوني يكون محل اتفاق بين أطراف المعاملة، ومن جانب آخر، تضم هيئة قضاة محاكم مركز دبي المالي العالمي قاضيا متخصصا في التعاملات المالية الإسلامية.

ومن جانب ثالث، لدى المحاكم إمكانية الاستعانة بخبراء من الخارج يناط بهم مسؤولية تقديم التفسيرات للتكييف القانوني للمعاملة لإزالة أوجه الغموض أو اللبس التي قد تشوبها. وخلص مايكل وانغ إلى القول بأن محاكم مركز دبي المالي العالمي تعد ساحة ملائمة للفصل في القضايا المرتبطة بالتعاملات المالية الإسلامية.

تحديات وعقبات

ويأتي هذا الدور المهم الذي تضطلع به محاكم مركز دبي المالي العالمي على خلفية بروز تحديات عديدة تتعلق بتسوية منازعات التمويل الإسلامي، ويرصد الدكتور عبد الستار الخويلدي الأمين العام للمركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم- دبي هذه التحديات على النحو التالي:

أولاً: تعمل جميع المؤسسات المالية الإسلامية في محيط تسيطر فيه القوانين الوضعية، وهي عادة قوانين مصاغة في شكل مواد مبوبة ومترتبة في مجلات وهو ما يعرف بالتقنين (التدوين). وإلى جانب التقنين هناك فقه قضاء ثري وجريء بفضل تراكم الخبرات. وبالتالي هناك تنافس بين نظامين مختلفين.

ثانياً: الاستبعاد المطلق باختيار القانون الوضعي بديلاً عن أحكام الشريعة: أصبح النص على تحكيم مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية دون سواها من القوانين أمراً نظرياً في العقود الدولية. وهذه حقيقة. فقد حل محل الشرط الموحد (وهو الكفيل بتطبيق أحكام الشريعة مطلقاً) الشرط المزدوج وهو الشرط الذي يجمع بين الاحتكام للقانون الوضعي والشريعة الإسلامية.

ومن أمثلة هذه الصيغ: «النص على أن المعاملة للقانون البريطاني بما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية»، أو «تخضع المعاملة للقانون البريطاني إلا إذا خالف أحكام الشريعة الإسلامية، عندها ترجح أحكام الشريعة الإسلامية»، وتعتبر هذه الصيغة هي الأكثر انتشاراً في عقود المؤسسات المالية الإسلامية والأكثر صعوبة عند التطبيق.

وبالتالي، فإن سوابق تطبيق هذه الصيغ على الأقل كما جرت أمام المحاكم البريطانية، لم تكن منصفة للشريعة الإسلامية، حيث استبعدتها المحاكم البريطانية، وعليه أخذ استبعاد أحكام الشريعة الإسلامية عدة أوجه منها الاستناد إلى سبب عدم التقنين، وكذلك التفسير السلبي للشرط المزدوج الذي تم بيانه أعلاه، وهو أمر يمكن رصده من واقع لأحكام الصادرة عن المحاكم البريطانية.

ثالثاً: الاستبعاد بسبب عدم تقنين أحكام الشريعة: فعدم تقنين أحكام الفقه الإسلامي وخاصة في مجال فقه المعاملات (ونظرا لثراء الفقه الإسلامي حيث نجد أكثر من رأي في المسألة الواحدة) لا يساعد على سهولة البحث عن الحلول والاهتداء لها كما لو كانت تلك الأحكام مقننة مع الترجيح لحل يحظى بالإجماع ويعتمده الجميع، وتكمن المفارقة أن الحجة تأتي من مدرسة قانونية لا يعتمد نظامها القانوني على التقنين، بل يعتمد على السوابق والأعراف، ونعني بذلك المدرسة القانونية البريطانية.

كما أن الحرص على إيجاد الحلول المناسبة والتقيد بشروط العقد يدفع بالقاضي إلى البحث على بعض المراجع العامة في فقه المعاملات وهي متاحة. ومن هذه المراجع القرارات الصادرة عن المجامع الفقهية. وقد شملت تلك القرارات مبادئ أساسية في فقه المعاملات، وهي قرارات عادة مترجمة إلى اللغة الإنجليزية.

رابعاً: الاستبعاد بسبب تفسير الشرط المزدوج على أنه اختياري: كثيراً ما تلجأ المؤسسات المالية الإسلامية إلى الشرط المزدوج كأن يصاغ الشرط كالتالي: «يتم تطبيق القانون البريطاني بما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية».

إن مثل هذه الصياغة كانت سبباً في استبعاد تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، وذلك بتأويل الشرط على أنه شرط اختياري بين أحكام الشريعة الإسلامية والقانون البريطاني! وبما أن القاضي يفترض أن يكون ملماً بقانونه الوطني قبل أي قانون آخر وهو ما فعله القاضي البريطاني، حيث قام بتطبيق القانون البريطاني واستبعد غيره.

ولا يلام القاضي البريطاني على ذلك بالرغم من أن صياغة الشرط تقتضي من القاضي البريطاني أن يضع النص القانوني (وهو القانون البريطاني) المطبق على الوقائع في ميزان أحكام الشريعة الإسلامية كإجراء تمهيدي ولا يجوز له تطبيق القانون البريطاني مباشرة دون التأكد من مطابقته لأحكام الشريعة الإسلامية أولاً.

والفهم الأمين للشرط يؤدي إلى تطبيق مشروط للقانوني البريطاني. وفي حقيقة الأمر ليس من الحكمة أن يطلب من القاضي البريطاني مثل هذه الطلبات. فالغاية من وراء هذا الشرط لا يمكن أن تغيب على قاض أو محكم وهي صدور حكم لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية.

والأطراف التي نصت على هذا الشرط لا ترى في القانون الوضعي مخالفة مبدئية لأحكام الشريعة الإسلامية، اعتقاداً منها بأن المجال هو مجال فقه المعاملات، وهو مجال أوسع وأرحب من فقه العبادات، وهذا صحيح إلى حد ما إذا ما اقترن بإرادة وحرص وأمانة وفهم دقيق للنصوص وتفسيرها. ولكن الواقع غير ذلك.

عدم المعرفة بالمنتجات الإسلامية

خامساً: الاستبعاد بالتطبيق غير الموفق من قبل القضاء: ان عدم إدراك حقيقة المعاملة من قبل القضاء لا ينم بالضرورة عن عدم معرفة المنتجات معرفة جيدة، وإنما قد يعود ذلك إلى احتمال قراءة المعاملة من وجهتي نظر أو أكثر، أو أن صياغة المنتج وكيفية تقديمه للمحكمة لم يتم بالوضوح الرافع للالتباس وأن طلبات ودفوع أطراف النزاع هي التي وجهت القاضي إلى اعتماد تكييف معين للمعاملة، ومن ثم.

يجب عدم حصر المسؤولية عن التباس الأمر عند القاضي (وما يترتب عنه من آثار قانونية وشرعية) في جهة واحدة بل توسيع دائرة المسؤولية إلى جهات أخرى غير قضائية ومنها المؤسسات المالية الإسلامية نفسها التي قد تقوم بممارسات خاطئة في إجراءات تنفيذ المعاملة من شأنها أن تشوش على المنتج، أو أن محامي المؤسسة المالية الإسلامية قد حصر طلبات مؤسسته في اتجاه معين أملى على القاضي البحث فيها.

وبناء على ما سبق، رأى الدكتور عبد الستار الخويلدي أن القانون الواجب التطبيق في المعاملات المالية الإسلامية عموماً والدولية منها خصوصاً يحتاج إلى موقف واضح، وأن الهيئات الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية تفطنت إلى الموضوع. وسوف تصدر هيئة المحاسبة والمراجعة معياراً في هذا الموضوع.

الاحتكام لمبادئ الشريعة

واقترح الدكتور عبد الستار الخويلدي في هذا المجال أن يكون الأصل في الاحتكام لمبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية وعدم تفويض القانون الوضعي ليحكم المعاملات المالية الإسلامية لما قد يصدر عن هذا القانون من إعادة تكييف للمعاملات يغير طبيعتها.

ومن أمثلة ذلك تنظير الصكوك على السندات التقليدية، والاهتمام بصياغة عقود المعاملات المالية الإسلامية لحمايتها من سوء التفسير ولتفادي النزاع، وذلك مهما كان القانون الواجب التطبيق وجهة فض النزاع، والحرص على التأهيل الشامل مع اعتماد التخصص.

ومن أمثلة ذلك تأهيل خبراء لاقتراح الحلول وفض النزاعات ولا يتم ذلك إلا بالجمع بين التأهيل القانوني والتأهيل الشرعي، وقد شرع المركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم وبالتنسيق مع المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب التابع للبنك الإسلامي للتنمية في دورات تدريبية تهدف إلى تقديم تأهيل متكامل بغرض إعداد محكمين يجمعون بين الجوانب الشرعية والقانونية والإجرائية، بحيث يمكّن التأهيل أصحاب الشهادات من معالجة المسائل القانونية والشرعية بيسر ووضوح.

عقود التمويل الإسلامية

ومن جانبه، طالب الدكتور معبد علي الجارحي الأمين العام ومستشار هيئة الفتوى والرقابة الشرعية لسوق دبي المالي بالاعتراف بعقود التمويل الإسلامي في القانون المدني، وأوضح هذه النقطة بقوله: باستثناء قلة من البلدان (البحرين، وإيران، وماليزيا، والسودان، ومؤخراً كازاخستان) ليس هناك ذكر لعقود التمويل الإسلامي في القانون المدني.

كما أن القضاء لا يطبق قاعدة العقد شريعة المتعاقدين. فغالباً ما تلجأ المحاكم إلى تفسير العقد على نمط ما هو شائع في السوق، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى إسقاط عقد التمويل الربوي على كافة عقود التمويل الإسلامية. والغريب أن هذا ما يحدث في غالبية الدول الإسلامية، على خلاف ما استقر عليه القضاء البريطاني من معاملة عقود التمويل الإسلامية كعقود مستقاة من الشريعة وليس من القانون الوضعي.

كما طالب الدكتور معبد علي الجارحي بوضع قانون خاص بالبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، وشرح هذه النقطة بقوله: من المستغرب أن كثيراً من البلاد التي لديها بنوك ومؤسسات مالية إسلامية تتركها تعمل دون قانون يحدد خصائصها، وحوكمتها، ومعالم ضوابط الرقابة عليها، وهذا يؤدي إلى عدد من المحاذير، أهمها:

1- أن البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية تنشأ بترخيص خاص، قد تختلف شروطه وتفاصيله من حالة إلى أخرى وليس وفقاً لقواعد عامة شاملة تخضع لها كافة البنوك.

2- أن البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية تتم مراقبتها والإشراف عليها وفقاً لنفس القواعد التي تطبق على البنوك التقليدية، باستثناء ما تقرره السلطات الرقابية من وقت لآخر، دون قاعدة قابلة للتعميم وتكرار التطبيق.

3- أن المنتجات المالية الإسلامية يتم فحصها وتدقيقها من جانب أجهزة الرقابة والإشراف بناء على مرجعية ربوية، لا تقبل اختلافات جوهرية بين المنتجات المالية الإسلامية والمنتجات التقليدية.

4- أن السلطات الرقابية يمكن أن تستحل لنفسها إصدار أوامر وتوجيهات عامة إلى البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية لا تتفق مع شروط ترخيصها بصفتها بنوك تعمل بالتوافق مع الشريعة.

إصدار

2002

بدأ إصدار الصكوك الإسلامية في ماليزيا عام 2002 حينما تم إصدار حوالي مليار دولار منها. ونما بعد ذلك حجم الصكوك المصدرة في العالم بمعدلات مرتفعة حتى زاد على 94 مليار دولار عام 2007. وكان من المتوقع استمرار نمو إصدارات الصكوك.

ولكن أزمة الرهون العقارية التي اندلعت في عام 2007 وما صاحبها من نقص في السيولة، ومن بعدها الأزمة المالية العالمية التي أفضت إلى ركود اقتصادي عالمي عام 2009، كلها ساهمت في انحسار إصدارات الصكوك بدرجة كبيرة، حيث لم يتجاوز مجمل ما تم إصداره 19 مليار دولار خلال عام 2008.

في عام 2007، تبوأت الإمارات المركز الأول في إصدار الصكوك، حيث بلغ حجم ما أصدرته 33 مليار دولار بينما بلغ حجم إصدار الصكوك في ماليزيا 31 مليار دولار متفوقة على ماليزيا، وظلت الإمارات في الصدارة في عام 2008.

تأهيل أصحاب المهن القانونية

اعتبر الدكتور عبد الستار الخويلدي الأمين العام للمركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم أن تأهيل القضاة وحدهم لا يكفي، بل يجب العمل على تأهيل أصحاب المهن القانونية، من قضاة ومحامين، ومستشارين وخبراء، مشيراً إلى أن الواقع العملي قد أثبت أن للمهن المساندة للقضاء من محامين وخبراء دوراً أساسياً في نتيجة الحكم.

وتابع موضحاً: يحدد المحامي طلبات موكله وهو الذي يبادر بتكييف النزاع بناء على بحوث (وإن كان هذا التكييف لا يلزم القاضي)، ومثل هذا المجهود العلمي قد يؤثر في قرار القاضي. وبالنسبة للخبراء فقد تعين المحكمة خبيراً في مجال دقيق مثل المتاجرة في العملات لتوضيح كيفية تنفيذ العملية.

فإذا كان الخبير غير مدرك لأحد أركان المتاجرة في العملات وهي مسألة التسليم وبالتحديد التراخي فيه، سواء أكان القبض حقيقياً أو حكمياً، فإنه سوف يدلي بتقرير مختل من الناحية الشرعية ولو توفرت فيه كل العناصر الفنية والموضوعية والإجرائية.

دبي ـ مجدي عبيد