لم «يفكر» الإنسان الأول بأكثر من الحصول على مأوى لمواجهة ظواهر الطبيعة فكانت الشقوق وظلال الأشجار ولاحقاً الكهوف تفي بذلك. ووضع علامات بسيطة حول ذلك المأوى حينذاك كان كافياً لإعلان «ملكية» هذا الإنسان لهذا المأوى من دون تسجيله في السجل العقاري النيادرتالي..!
لقد احتل المأوى المرتبة الأولى في سياق انتقال البشرية إلى الإنسانية والنيادرتال من مرتبة ال«إنسان العاقل» إلى مرتبة ال«إنسان القادر» على فرض سيطرة شبه كاملة لقوى الطبيعة.
ويقول المتخصص في علم التاريخ ه.د. هيثرو بأن «المأوى كان أولوية لدى الإنسان الأول فلم يكترث أو يسهر الليل ليفكر بستر عورته بورقة توت في مناخ معتدل وشمس دافئة لكن وجوده في منطقة استوائية كانت كفيلة بهلاكه لذا ليس غريباً هوسه بالهروب من الرعد والمطر وغيرها من قوى الطبيعة التي سيطر عليها لاحقاً بعد أن عبدها لملايين السنين».
ولأن البابليين كانوا مغرمين بمراقبة النجوم فقد كان ذلك مدخلاً لظهور علوم الجبر والهندسة والرياضيات التي سُخرت لاحقاً في خدمة بناء المعابد والمنازل وسقوفها وجدرانها وسمكها فكانت حدائق بابل وبرجها الأعلى في العالم قبل 9 آلاف عام.
ليواصل المأوى أهميته التاريخية فيتحول إلى شرط لإضفاء التقديس والتبجيل على بني البشر فسجل الفراعنة فتحاً معمارياً باهراً ببناء الأهرامات تكريماً لملوكهم ولا تزال سلسلة أسرار هذا البناء العظيم مستمرة إلى اليوم .
فعندما يتحدث علماء الغرب عن المنازل الخضراء والذكية فهم يركزون على التصميم المعماري الذي يجب أن يراعي دخول قدر كبير من الإضاءة والهواء الطبيعيين فنركض نحن لنصفق لهؤلاء مرحبين بشركاتهم التي تبيعنا تلك التصميمات في حين أن جدي وجدك ليسا عالمين لكنهما بنا بيوتاً تضم تلك المعايير الخضراء والذكية في بغداد ودمشق والقاهرة.
وخرج علينا من يقول بأن المنزل لا يصنف بأنه ذكي ما لم يقلل استهلاك الطاقة بنسبة 40% في حين يظهر ذلك جلياً في البيوت الإماراتية ذات البراجيل التي تؤدي مهام أجهزة التكييف من دون استخدام الكهرباء...!
الأمثلة على هوسنا بكل ما يقوله الغرب لا يقابله مراجعة بسيطة لتاريخنا الذي اكتشف ذلك وليس للغرب فضل فيه بقدر اجتهاده في تطويره.
والمنازل الذكية التي يتحدثون عنها وكيف تدار بالإنترنيت وتفتح أبوابها لأصحابها فقط وتدار فيها الستائر والأجهزة الكهربائية بالبصمة الصوتية لربة البيت ما هي إلا ترف سيكتشف الجميع لاحقاً بأن تكلفة صيانته كارثية مقارنة بتكلفة صيانة في المنازل الحالية.همسة: عدم امتلاكنا لتلك البيوت الذكية لا يعني بأننا نعيش في منازل غبية..
مشرق علي حيدر