يعمل التحول الرقمي على إحداث ثورة في سوق البناء في الإمارات، مع التركيز المتزايد على الاستفادة من التكنولوجيا في تحسين الكفاءة والتعاون ونتائج المشروع، بحسب تقرير حديث من «ريسرش آند ماركتس».

وأحد الاتجاهات الرئيسية التي تدفع هذا التحول هو اعتماد نمذجة معلومات البناء، وهو تمثيل رقمي للخصائص المادية والوظيفية لمشروعات المباني أو البنية التحتية، وتوفر منصة تعاونية لأصحاب المصلحة للتخطيط وتصميم وبناء وإدارة المشاريع بشكل أكثر فاعلية.

وتعمل المبادرات الحكومية في الإمارات على تعزيز اعتماد نمذجة معلومات البناء في مشاريع البناء الكبرى. على سبيل المثال، تطلب بلدية دبي من جميع المباني التي يزيد ارتفاعها على 40 طابقاً أو 300000 قدم مربعة استخدام النمذجة في مراحل التصميم والبناء. ويهدف ذلك إلى تعزيز تنسيق المشروع وتقليل الأخطاء وتحسين الموارد وتحسين الجداول الزمنية لتسليم المشروع.

كما تسهل تقنية النمذجة عملية تحسين تصور المشروع، واكتشاف التعارضات، ومحاكاة البناء الافتراضية، ما يمكن أصحاب المصلحة من تحديد المشكلات المحتملة وحلها قبل بدء البناء. ويقلل هذا النهج الاستباقي إعادة العمل المكلفة، ويحسن دقة الجدولة، ويعزز جودة المشروع بشكل عام.

إضافة إلى ذلك، تدعم هذه التقنية ممارسات البناء المستدامة من خلال عمليات تحليل استهلاك الطاقة، وتقييم دورة الحياة، وإدارة عمليات البناء بكفاءة.

وبخلاف النمذجة، تعمل تقنيات رقمية أخرى مثل إنترنت الأشياء، والذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا الطائرات بدون طيار على تحويل عمليات البناء في الإمارات، حيث تراقب أجهزة استشعار إنترنت الأشياء ظروف موقع البناء في الوقت الفعلي، وتعمل خوارزميات الذكاء الاصطناعي على تحسين جدولة المشروع وتخصيص الموارد، وتقوم الطائرات بدون طيار بإجراء المسوحات الجوية والتفتيش بدقة وكفاءة أكبر.

كفاءة في التكلفة

وتكتسب تقنيات البناء المعياري والمسبق الصنع زخماً في الإمارات، مدفوعة بالحاجة إلى تسليم المشروع بشكل أسرع مع تحقيق الكفاءة في التكلفة والاستدامة. وتتضمن هذه الأساليب تصنيع مكونات البناء خارج الموقع في بيئات تصنيع خاضعة للرقابة، ثم نقلها وتجميعها في الموقع. ويقلل هذا النهج من الجداول الزمنية للبناء، ويقلل هدر المواد، ويعزز جودة البناء من خلال العمليات الموحدة.

وتتبنى صناعة البناء في الإمارات، المعروفة بمشاريع البنية التحتية الطموحة والتوسع الحضري السريع، بشكل متزايد الحلول المعيارية والمصنعة مسبقاً لتلبية الطلب المتزايد على المباني السكنية والتجارية والمؤسسية. واستخدمت مشاريع بالفعل، مثل موقع إكسبو 2020 في دبي، تقنيات البناء المعيارية لتسريع الجداول الزمنية للبناء وضمان الانتهاء في الوقت المناسب للأحداث العالمية.

ويوفر البناء المعياري مرونة في التصميم وقابلية التوسع، ما يسمح للمطورين بتخصيص تكوينات المباني مع الحفاظ على الاتساق في الجودة والأداء. وهذه القدرة على التكيف تصبح مفيدة بشكل خاص في المناطق الحضرية سريعة النمو، حيث يمكن لقيود المساحة والتحديات اللوجستية أن تؤثر على طرق البناء التقليدية.

ويدعم البناء المسبق أهداف التنمية المستدامة من خلال تقليل نفايات البناء، وتقليل الاضطرابات في الموقع، وتحسين كفاءة الطاقة. كما تعمل عمليات التصنيع القائمة على المصانع على تعزيز سلامة العمال من خلال تقليل المخاطر والحوادث في الموقع المرتبطة بممارسات البناء التقليدية.

وبالنظر إلى المستقبل، فمن المتوقع أن يتوسع التركيز في الإمارات على البناء المعياري والمباني الجاهزة، مدفوعاً بالتقدم في تقنيات التصنيع والسياسات الحكومية الداعمة والوعي المتزايد بفوائد أساليب البناء خارج الموقع. وتضع هذه الاتجاهات البناء المعياري كحل قابل للتطبيق لمعالجة نقص الإسكان ومتطلبات البنية التحتية وتحديات الاستدامة في سوق البناء الديناميكي في الإمارات.

ابتكار في التصميم

وتهيمن على سوق البناء في الإمارات بسبب العديد من العوامل الرئيسية التي تدفع بشكل جماعي مكانتها البارزة في الصناعة. يعمل الموقع الجغرافي الاستراتيجي لدبي كبوابة بين الشرق والغرب، ما يسهل التجارة ويجذب الاستثمار الدولي. وقد حفزت هذه الميزة الجغرافية مشاريع التنمية الحضرية والبنية التحتية الواسعة النطاق، ما جعل دبي مركزاً للبناء التجاري والسكني والسياحي.

ومن الناحية الاقتصادية، عزز اقتصاد دبي المتنوع والسياسات الصديقة للأعمال بيئة مواتية لنمو البناء. وأدى وضع الإمارة كمركز مالي عالمي ومركز أعمال إقليمي إلى الطلب المستمر على مساحات المكاتب الحديثة والمجمعات التجارية ومشاريع العقارات الفاخرة. ويغذي هذا الطلب أنشطة البناء المستمرة، مما يدفع الابتكار في التصميم المعماري وممارسات البناء المستدامة، والتكامل التكنولوجي.

كما يلعب قطاع السياحة القوي في دبي دوراً محورياً في تشكيل المشهد الإنشائي. وتجذب المعالم الأيقونية في الإمارة مثل برج خليفة ونخلة جميرا والعديد من الفنادق والمنتجعات الفاخرة ملايين الزوار سنوياً، ما يستلزم استمرار بناء مرافق الضيافة وأماكن الترفيه والمعالم الثقافية. كما عززت مشاريع مثل إكسبو 2020 دبي أنشطة البناء، ما أظهر قدرة دبي على استضافة الأحداث العالمية وتحفيز التقدم في البنية التحتية.

وتحدد مبادرات التخطيط الحضري الطموحة في دبي، مثل خطة دبي 2040 والخطة الحضرية الرئيسية لدبي 2040، استراتيجيات التنمية المستدامة لاستيعاب النمو السكاني في المستقبل وتعزيز جودة الحياة. وتؤكد هذه الخطط على تقنيات المدن الذكية وممارسات البناء الأخضر ومرونة البنية التحتية، مما يدفع فرص الاستثمار طويلة الأجل في قطاع البناء.