قال نيك تولشارد، رئيس مجموعة إنفيسكو للصناديق السيادية العالمية ورئيس شركة إنفيسكو الشرق الأوسط: إن حجم الأصول الاستثمارية للصناديق السيادية الشرق أوسطية، تقدر بحدود تريليوني دولار، بنسبة 25 % من إجمالي حجم الأصول الاستثمارية للصناديق التي شملتها الدراسة على مستوى العالم.

وأصدرت شركة «إنفيسكو» دراستها السنوية الثالثة حول إدارة أصول صناديق الثروات السيادية العالمية، رصدت خلالها السلوك الاستثماري لتلك الصناديق، وتأثيرات انخفاض أسعار النفط في مواردها التمويلية. وشملت الدراسة نحو 59 صندوق سيادي حول العالم، يمثلون ما قيمته 7.9 تريليونات دولار من الأصول الاستثمارية، بما فيها صناديق الثروة السيادية المتمركزة في الشرق الأوسط.

وأكد تولشارد، أن الصناديق السيادية الشرق أوسيطة، نجحت في التركيز على الاستثمار بشكل أكبر مما فعلته الصناديق الاستثمارية الغربية، وتحديداً في قطاعات أكثر ثباتاً، وعلى رأسها البنى التحتية، وهو ما حقق لها أعلى معدلات العائدات الاستثمارية المستهدفة، وأطول آفاق الاستثمار الزمنية بمتوسط 7.8 سنوات.

تحديات

وتابع أن تراجع أسعار النفط خلقت تحديات تمويلية لبعض الصناديق السيادية على مستوى العالم، إلا أن الملاحظ أن تأثيرها اختلف من إقليم لآخر، وفقاً لمستوى الانكشاف التمويلي (والمتمثل في عائدات النفط كنسبة مئوية من إجمالي الناتج المحلي)، إضافة إلى عوامل أخرى، مثل الحوكمة وإدارة المخاطر والسيولة. وجاءت منطقة أميركا الشمالية أكثر تأثراً من الشرق الأوسط، وذلك على عكس المتوقع.

وتوقعت 80 % من الصناديق السيادية في أميركا الشمالية، تراجع مواردها التمويلية العام الجاري، رغم أن تلك الصناديق شهدت تراكم الفوائض الحكومية الناجمة عن ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وفي المقابل، جاءت توقعات الصناديق السيادية الممولة بعائدات النفط في الأسواق الصاعدة في الشرق الأوسط، أقل تضرراً من الناحية التمويلية.

وأرجع تولشارد الأمر إلى توقيت انخفاض أسعار النفط الذي أدخل حكومات دول أميركا الشمالية وكندا في تحديات لتراجع العائدات النفطية، وانخفاض الدخول الضريبية لتلك الحكومات في الوقت الذي ارتفعت فيه نفقاتها بحدة.

وقدرت 42 % من باقي الصناديق السيادية على مستوى العالم، التي تعتمد بقوة على العائدات النفطية، تراجع مواردها التمويلية، مقارنة مع مستوياتها خلال العام الماضي. مشيراً إلى أنه بشكل عام، فإن الصناديق السيادية لا تزال تعتقد أنها في وضع أفضل حالياً في مجال إدارة شؤونها التمويلية من وضعها قبيل الأزمة المالية العالمية في 2008.

موارد

وأوضحت الدراسة أن انخفاض أسعار النفط سلط الضوء على أهمية الحوكمة، والبنى التشريعية المحيطة بالصناديق السيادية، وعلى الرغم من مخاوفها من تراجع مواردها التمويلية الجديدة، إلا أن نحو 80 % من الصناديق السيادية لأميركا الشمالية، واثقة من أن أصولها محمية من قيام الحكومات بالسحب منها لتمويل عجوزتها المحتملة في الإنفاق...

وفي المقابل، يتوقع عدد كبير من الصناديق السيادية التي تعتمد مواردها التمويلية بقوة على العائدات النفطية قيام الحكومات بسحب جانب من أصولها، إذ ظل سعر برميل النفط يراوح عند مستوى أدنى من 40 دولاراً لمدة عامين.

وأضاف أن هذا الوضع أدى إلى إحداث تأثير استقطابي في أهداف واستراتيجيات الصناديق السيادية. إذ أجرت بعض الصناديق السيادية تعديلات، من خلال التراجع عن الاستراتيجيات الاستثمارية الأكثر جرأة للتعامل مع مشاكل نقص السيولة المحتملة.

تنامي الطلب

وأضاف أنه لا تزال البيئة الراهنة المحيطة بالصناديق السيادية متعطشة لعائدات مرتفعة، ما يدفع بتلك الصناديق إلى تطوير استراتيجياتها الاستثمارية طويلة الأمد، بما يلبي تلك التطلعات، بما في ذلك، البحث بصورة متزايدة عن استثمارات بديلة.

وتشير الدراسة إلى وجود علاقة قوية بين فئات الأصول وبين المناطق الجغرافية، وتشير بصفة خاصة إلى ميل الأسواق الصاعدة للاستثمار في قطاع البنى التحتية، بينما تميل الأسواق المتقدمة إلى الاستثمار في القطاع العقاري.

وتعكس الدراسة، ترجيح جميع المحافظ الاستثمارية للصناديق السيادية لحصة البنى التحتية في الأسواق الصاعدة (17 %) على سائر قطاعات اقتصادات تلك الأسواق (9 %)، بينما ترجح تلك المحافظ حصة القطاع العقاري في الأسواق المتقدمة (73 %)، مقارنة مع سائر أصول تلك الأسواق (56 %). وهناك الكثير من الأدلة على تفضيل الصناديق السيادية للاستثمار في قطاع البنى التحتية في الأسواق الصاعدة، مدفوعة بعاملين محددين.

يتمثل الأول، في اعتبار تلك الصناديق للاستثمار في البنى التحتية، مدخلاً منخفض المخاطر إلى الأسواق الصاعدة بسبب الدعم الذي توفره الحكومات لذلك القطاع بصورة عامة، إلا أن الخوف من المخاطر المرتبطة بالاستثمار في تلك الأسواق، لا سيما عدم الاستقرار السياسي، والافتقار إلى الحماية القانونية في بعضها، يفسر سبب تراجع جاذبية تلك الأسواق.

أما العامل الثاني، فيتمثل في أن الصناديق السيادية، ترى أن ديناميكيات العرض والطلب في الأسواق الصاعدة، تجعل من الاستثمار في قطاع البنى التحتية في تلك الأسواق أكثر جاذبية من الاستثمار في قطاع البنى التحتية في الأسواق المتقدمة، وفي مختلف فئات الاستثمارات البديلة في الأسواق الصاعدة، على حد سواء.

كما أن التنافس على الاستثمار في قطاع البنى التحتية، أقوى في الأسواق المتقدمة، منه في الأسواق الصاعدة. وفي بعض الحالات (لا سيما في الولايات المتحدة الأميركية)، يعتبر نظام الضرائب أقل جاذبية للمستثمرين الدوليين.

بيئة منخفضة العائد

أوضح نيك تولشارد، أن أحد أكبر التحديات التي يمكن أن تواجه الصناديق السياسية في منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً منطقة دول الخليج، هي الاتجاه إلى الاستثمار في بيئة منخفضة العائد، وذلك لأنها لا تزال غير مستعدة لوضع كمية كبيرة من المال في استثمارات ضخمة، تحسباً من أي نقص محتمل في السيولة مستقبلاً.

وأظهرت الدراسة تنامى تركيز الصناديق السيادية (باستثناء البنوك المركزية)، على توفير السيولة من 6.7 إلى 7.3 على مؤشر من 10 نقاط، تعتبر النقطة 10 أهمها.

وأضاف نيك تولشارد، أن الصناديق السيادية، استحدثت العديد من التحسينات، بما في ذلك التركيز بشكل أكبر وأكثر شمولاً على توفير السيولة، وتطوير إدارة المخاطر وإطار عمل الحوكمة للتعامل مع السيناريوهات المختلفة، وتفهم أفضل سبل تسييل الأصول.

الحصول على الصفقات التحدي الأكبر

 أشارت الدراسة، التي أعدتها شركة «أنفيسكو»، إلى أن الصناديق السيادية، تواجه العديد من التحديات المشتركة لدى الاستثمار في قطاع البنى التحتية والقطاع العقاري، وبصفة خاصة، بالنسبة للتكاليف (خاصة حين تضطر لدفع عمولات للغير لإبرام الصفقات)، وبالنسبة للتنافس (خاصة بالنسبة للصناديق السيادية صغيرة الحجم، التي كثيراً ما تعجز عن المنافسة إلا في أسواقها المحلية).

ويشكل حجم الصفقات وعددها، تحدياً للصناديق السيادية الكبيرة التي تحتاج عادة إلى استخدام أصول ضخمة، لتتمكن من المنافسة. إلا أن التحدي الأكبر الذي يواجه 53 % من الصناديق السيادية للاستثمار في قطاعي البنى التحتية والعقارات، على حد سواء، يتمثل في الواقع في الحصول على صفقات.

وتزداد حدة هذا التحدي في قطاع البنى التحتية، حيث تشير دراسة العام الحالي، إلى تسارع نمو التعاون بين الصناديق السيادية للفوز بصفقات استثمارية في هذا القطاع.

وكشفت الدراسة النقاب عن أن كل صندوق سيادي خصص أكثر من 5 % من أصوله للاستثمار في الاستثمارات البديلة، كان لديه في المتوسط 2.7 صندوق سيادي متعاون معه، وأن هذا التوجه مرشح للنمو بمرور الزمن.

وذلك لأنه تبين أن وجود بعض الصناديق السيادية في صفقات الاستثمار في قطاع البنى التحتية، يضمن لبعض الصناديق الحصول على موافقة مجالس إداراتها على الصفقة، فضلاً عن أن الاستثمار في ائتلاف يحسن أسعار الصفقات.

وقال نيك تولشارد رئيس مجموعة إنفيسكو للصناديق السيادية العالمية، إن بعض الصناديق السيادية قامت بالارتقاء بالتعاون في ما بينها إلى مستويات أعلى، وتصميم عروض تعاون للاستثمار في قطاع البنى التحتية، تستهدف الصناديق السيادية الأخرى تحديداً.

وأضاف تولشارد، أنه في أعقاب الانخفاض الأخير في أسعار النفط، كشفت دراسة العام الحالي، عن أن قطاع الاستثمار بات أكثر تكاملاً وتعقيداً من أي وقت مضى، وذلك بالتزامن مع استمرار تركيز الصناديق السيادية على الفوز بصفقات استثمارية في قطاع البنى التحتية، وهو تطور يغيِّر طبيعة العلاقة التقليدية بين الصناديق السيادية.