يمثل مركز دبي المالي العالمي وجهة مثالية للباحثين عن فرص الوصول إلى أسواق منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا، ويشكل بوابة إلى الأسواق الناشئة في المنطقة، كما يسهم المركز في إحداث تحول في اقتصاد دبي، وكذلك في دعم جهود التنويع الاقتصادي المبذولة في المنطقة.
وشكل أخيراً استكمال انتقال عمليات الشرق الأوسط في إتش إس بي سي (رابع أكبر مصرف في العالم)، بأصول تصل قيمتها إلى 40 مليار دولار، إلى مركز دبي المالي العالمي، أهمية كبيرة، إذ يمنح هذا الانتقال دفعاً قوياً للأصول التي يديرها المركز المالي العالمي الرائد على المستوى الإقليمي، والذي يحتل حالياً المرتبة الثالثة عشرة على المستوى العالمي، ويسعى إلى الوصول إلى مرتبة بين العشر الأوائل، بعد أن تخطى مراكز مالية تقليدية، مثل مركز جنيف، وبعد أن أصبح وجهة تختارها المؤسسات المالية والمستثمرون كمدخل إلى أسواق الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا، والتي يتوقع أن تصل قيمتها الإجمالية إلى 10 تريليونات دولار بحلول عام 2020.
توجه عام
ويشكل هذا الانتقال جزءاً من التوجه العام للشركات في الانتقال من الغرب، نتيجة نمو الأسواق الناشئة، وتطوير ممر جنوب - جنوب جديد، ولاسيما في ظل التقلبات المستمرة والنمو المتعثر الذي يشهده الاقتصاد العالمي.
وقد عبر عيسى كاظم، محافظ مركز دبي المالي العالمي، عن ذلك بدقة حين قال: «مركزنا...هو المركز المالي العالمي لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا. وإن انتقال مكتب الإدارة الإقليمية لبنك HSBC إلى مركز دبي المالي العالمي سيسهم في تعزيز مستوى التنافسية التي يتمتع بها اقتصاد دولة الإمارات لجذب المزيد من المؤسسات والشركات الدولية البارزة والرائدة في مجال الخدمات المصرفية والمالية».
بوابة للأسواق الناشئة
وتؤدي المراكز المالية، مثل مركز دبي المالي العالمي، دوراً أساسياً في الاقتصاد العالمي، من خلال توفير مركز عالمي للخبرات والموثوقية القانونية والتشريعية التي تمكن المستثمرين من ممارسة أنشطتهم ودخول أسواق جديدة. ويتحول مركز دبي المالي العالمي إلى وجهة عالمية متنامية الأهمية، وذلك بعد مرور أكثر من عقد على تأسيسه، نتيجة لتوسعه السريع، الذي يبينه نمو الشركات المسجلة فيه بزيادة تقدر بـ 27% في العام الماضي وحده.
وعلى المستوى المحلي تساهم الخدمات المالية بنسبة 12% من الناتج المحلي الإجمالي لدبي.
ويشكل مركز دبي المالي العالمي وجهة مثالية للشركات حول العالم. إذ يسهم بالجمع بين ترابطية جغرافية لا نظير لها، وبيئة تحتضن أكثر من 1500 شركة، واتّباع أفضل الممارسات التشريعية المستمدة من القانون الإنجليزي العام، ويعد نقل عمليات إتش إس بي سي الشرق الأوسط إلى المركز بمثابة اعتراف بذلك، حيث قال ديفيد إلدون، رئيس إتش إس بي سي الشرق الأوسط: «يشكل الجمع الجغرافي بين الإشراف التجاري والإشراف القانوني على أعمالنا خطوة استراتيجية مهمة. ويجتمع مركز دبي المالي العالمي، وهيئته التشريعية المستقلة، سلطة دبي للخدمات المالية، ليقدمها مركز خدمات مالية عالمي المستوى».
من جانبه، ذهب جورج أوجو، الخبير المالي والشخصية الأكاديمية البارزة ورئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي في جاليليو جلوبال للاستشارات وأستاذ القانون في كلية الحقوق التابعة لجامعة كولومبيا في الولايات المتحدة، أبعد من ذلك، حيث أكد أن «الانتقال مهم جداً، لأنه يظهر أن مركز دبي المالي العالمي، بنظامه التشريعي والقانوني الدولي وصلاته بالأسواق الناشئة، بات اليوم مكاناً مفضلاً للأعمال. بطبيعة الحال، ما زال أمام مركز دبي المالي العالمي عمل يقوم به ليصبح بين المراكز المالية العالمية العشرة الأوائل عالمياً، ولكنه قد اقترب ولا ريب من تحقيق ذلك، بالنظر، مثلاً، إلى انتقال منصة لويدز إليه العام الماضي».
استراتيجية طموحة
ومن المنتظر أن يتوسع مركز دبي المالي العالمي إلى ثلاثة أضعاف حجمه الحالي بحلول عام 2024، وذلك بما يتوافق مع استراتيجيته الطموحة للتوسع. كما يُنتَظر أن يواصل المركز المساهمة في التنويع الاقتصادي في دبي ودولة الإمارات، وهو ما أشار إليه الرئيس التنفيذي عارف أميري بقوله: «يبين الانتقال أهمية مركز دبي المالي العالمي كمحور أساسي في النظام المالي العالمي في وقتنا الحالي، لاسيما مع سعي رؤوس الأموال لاغتنام الفرص الكبيرة التي تتيحها الأسواق الناشئة. وانعكاساً لذلك، من المتوقع أن تشكل الخدمات المالية نسبة 18% من الناتج المحلي الإجمالي لدبي بحلول عام 2024، وهي جزء أساسي من رؤية دبي العامة».
ويشكل الاستناد إلى الإنجازات التي تحققت حتى اليوم أولوية أساسية، ولاسيما بعد توسيع بيئة المركز بحيث تكفل تمكين الشركات من اغتنام الفرص الجديدة في الأسواق الناشئة، وتطوير آليات بديلة منها خدمات التمويل الإسلامي، وخاصة عبر التوسع في إتاحة الوصول إلى التمويل في المنطقة، والتي عانت من شح الخدمات المالية ورأس المال والسيولة، فضلاً عن البحث في فرص برامج الخصخصة المحتملة، ودعم جهود التنويع الاقتصادي المبذولة في المنطقة.
أسواق جديدة
وفيما تسعى الشركات لتخطي الحدود والوصول إلى أسواق جديدة، تحرص هذه المؤسسات المالية على الحفاظ على الحس الاجتماعي والتشاركي في المركز.
وفي هذا الصدد، قال همفري هاتون، الرئيس التنفيذي في ديلويت، إحدى الشركات الموجودة في مركز دبي المالي العالمي منذ فترة طويلة: «إحدى أكبر ميزات وجود أعمال ديلويت في الاستشارات المالية في مركز دبي المالي العالمي، هو أننا نعمل في مجتمع من الشركات عالمية المستوى. ويعزز نقل إتش إس بي سي الشرق الأوسط عملياته إلى مركز دبي المالي العالمي من مكانته كمركز مالي عالمي، وهو بمثابة شهادة على أن مركز دبي المالي العالمي وجهة مثالية للأعمال».
ولا يقتصر التركيز على بناء مجتمع من شركات الخدمات المالية التقليدية، بما في ذلك شركات المحاماة والتأمين وإدارة الأصول والمصارف، بل يمتد هذا التركيز إلى توفير بيئة من الابتكار لشركات التكنولوجيا المالية.
واليوم، تتاح الفرصة أمام تكنولوجيا الخدمات المالية لإحداث تغيير جذري في كيفية تقديم الخدمات المالية، من تسديد الدفعات عبر الإنترنت أو الهواتف النقالة، إلى وضع الوصية رقمياً بوسائل سريعة ومرنة وآمنة، كما تعد هذه التكنولوجيا العنصر المستقبلي الأهم في قطاع الخدمات المالية والأعمال.
وتزداد أهميتها للشركات الصغيرة والمتوسطة التي تسعى إلى الحصول على التمويل وتوسيع عملياتها، الأمر الذي يشكل ركيزة من ركائز مستقبل دبي. ويؤدي مركز دبي المالي العالمي دوراً رائداً في ذلك، باعتباره عضواً في المجلس العالمي للتعاملات الرقمية، الهيئة التي طورت العديد من العملات الرقمية والأنظمة المالية الرقمية، وهذه العضوية هي مبادرة استراتيجية من حكومة دبي في إطار رؤية الإمارة الذكية، التي تساعد العديد من شركات تكنولوجيا الخدمات المالية على اتخاذ مركز دبي المالي العالمي مقراً لعملياتها.
بنية تحتية
ويجري العمل باستمرار على تعزيز البنية التحتية المادية، حيث يتم العمل حالياً على استكمال أفينو البوابة، الذي سيربط بين مناطق مركز دبي المالي العالمي تحت سقف واحد، ويساهم في إنشاء منطقة تشكل وجهة مثالية للعيش والعمل والترفيه، وهو ما سيعود بالنفع على مركز دبي المالي العالمي كوجهة للمحترفين المتخصصين في مجال الخدمات المالية، وعلى إمارة دبي عموماً، التي تشكل الحياة العصرية جزءاً لا يتجزأ من فلسفتها. ويمثل ضمان رغبة العاملين في القطاع المالي في المجيء إلى دبي والعيش فيها عاملاً حاسماً في نجاح مركز دبي المالي العالمي على المدى البعيد.
فرص
يشهد مركز دبي المالي العالمي، وقطاع الخدمات المالية في دبي عموماً، فترة متميزة، وسيكفل هذا القطاع الذي يتحرك بسرعة فرصاً جديدة في المستقبل، وسيدفع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الشركات إلى التفكير مليّاً قبل اختيار المملكة المتحدة وأوروبا كوجهة، وإلى الأخذ بعين الاعتبار ميزات تأسيس مقرات لها في مركز دبي المالي العالمي، حيث تكفي بضع ساعات بالطائرة للوصول إلى 3 مليارات نسمة.