بعد القرار الذي اتخذه مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي) الأربعاء الماضي بخفض سعر الفائدة في البنوك الأمريكية بقيمة ربع نقطة، فيما يعد القرار الأول من نوعه منذ ما يزيد على 10 سنوات، تسود الحيرة والارتباك الأوساط المالية الأمريكية بشأن السياسة المالية المستقبلية لـ «الاحتياطي الفيدرالي».

وبحسب تقرير نشرته أمس شبكة «سي إن بي سي» الإخبارية الأمريكية، تتفاوت آراء الخبراء والمحللين الاقتصاديين في بورصة «وول ستريت» فيما يتعلق بالخطوة المقبلة التي سيتخذها «الاحتياطي الفيدرالي» ورئيسه جيروم بأول، فبعضهم يرجح ألا يكرر البنك قرار خفض سعر الفائدة، على الأقل خلال العام الجاري. ومن أبرز مؤيدي هذا الرأي المسؤولون لدى بنكي «يو بي إس» و«كريديه سويس» السويسريين.

قراران متوقعان

وعلى الجانب الآخر، يميل البعض الآخر من المحللين إلى توقع قرارين آخرين من جانب «الاحتياطي الفيدرالي» بمزيد من الخفض في سعر الفائدة. وتتبنى بنوك «جيه بي مورغان»، «بنك أوف اميركا»، و«ويلز فارغو» هذا الرأي، ويتوقع أغلب خبراؤها أن يتخذ «الاحتياطي الفيدرالي» قراراً آخر وشيك بخفض سعر الفائدة بقيمة ربع نقطة أخرى خلال الشهر المقبل أو في أكتوبر، على أقصى تقدير.

على المحك

ولم يكن الارتباك هو النتيجة الوحيدة التي خلفها قرار الأربعاء الماضي، وإنما أثار القرار مشاعر استياء لدى عدد ليس بالقليل من الخبراء والمحللين الاقتصاديين الأمريكيين بشأن مصداقية «الاحتياطي الفيدرالي» واستقلاليته في رسم السياسات النقدية لأمريكا واتخاذ قراراته، وفقاً لتقرير نشرته «سي إن بي سي» أيضاً.

وأكد التقرير أن مصداقية «الاحتياطي الفيدرالي» باتت على المحك، وصار مبدأ الاستقلالية السياسية التي طالما ادعى «الاحتياطي الفيدرالي» تمتعه بها محل شك عميق.

وبات «الاحتياطي الفيدرالي» الآن بحاجة إلى بذل جهد شاق لإقناع خبراء الاقتصاد بأنه اتخذ قرار خفض الفائدة الأخير لسبب اقتصادي بحت بالفعل يتمثل في الحفاظ على معدل النمو الاقتصادي في أمريكا، وليس لمجرد الخنوع لإلحاح وضغوط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والذي يطالب منذ أن تولى السلطة في البيت الأبيض بخفض سعر الفائدة، ولطالما شن هجوماً مريراً ضد «الاحتياطي الفيدرالي» ورئيسه جيروم باول، بسبب عدم الاستجابة لهذا المطلب.

حقائق اقتصادية

ويجد المحللون صعوبة في استيعاب الحاجة الاقتصادية لقرار خفض سعر الفائدة بعد 7 أشهر فقط من آخر قرار برفعه.

وثمة حقائق اقتصادية على أرض الواقع تعزز الاعتقاد بأن قرار الخفض الأخير للفيدرالي الأمريكي لم يكن له أي دواعي اقتصادية حقيقية، وإنما هو مجرد قرار سياسي يستهدف استرضاء الرئيس دونالد ترامب.

فالمؤشرات الاقتصادية العامة في الولايات المتحدة تبدو الآن جيدة، إن لم تكن رائعة، حيث ارتفع الناتج المحلي الإجمالي في الفصل الثاني من العام الجاري بنسبة 2,1%، وهو معدل نمو اقتصادي يفوق كثيراً ما كان متوقعاً. وفيما يخص القياسات المتعلقة بحجم الاستهلاك الداخلي، فهي تسير من جيد إلى أفضل. وأما عن معدلات العمالة والتوظيف، فقد سجلت معدلات البطالة في أمريكا خلال الفترة الأخيرة أدنى معدلاتها على الإطلاق منذ ما يزيد عن نصف قرن.