هل يصبح عملاق صناعة المعالجات «إنتل» «نوكيا» جديدة في الاقتصاد العالمي؟ لا شيء يبقى على حاله، والتطور والابتكار والبحث عن حلول تلك هي أدوات الاستمرارية، بينما الجمود والرتابة وغياب الجرأة فيروسات إن تملكت من شركة أو كيان مهما كبر وعلا شأنه ينهار ويصبح طي النسيان، وفي عالم الاقتصاد المتسارع الوتيرة، التطور كالسيف إن لم تقتله.. قتلك، فهل تستطيع إنتل أن تتملك سيف التطوير أم ينقلب في صدرها؟

بينما كانت هناك تقلبات، كانت شركة إنتل تقريباً محصنة كعمل تجاري طوال معظم وجودها، الشركة هي حجر الزاوية في صناعة الكمبيوتر بأكملها، وهي حيوية للولايات المتحدة في مجالات متعددة، لكن مع العديد من تصرفات العناد والمكابرة مع الأسواق، وفي ظل تسارع وتيرة صعود المنافسين، فلا عجب أن يتوقع الخبراء أن إنتل في طريقها للسقوط مثل نوكيا.

وفي وقت من الأوقات كانت نوكيا تسيطر على حوالي 50% من سوق الهواتف المحمولة عالمياً، وعندما تم عرض نظام أندرويد على الشركة في بدايته لتبنيه في أجهزتها، رفضت الشركة وواصلت الاعتماد على نظام تشغيلها البدائي «سيمبيان»، محاولة التطوير فيه أو في أشكال أجهزتها المحمولة المطروحة في الأسواق دون تقديم إضافات تذكر، ثم تبنت نظام تشغيل مايكروسوفت «ويندوز موبايل»، مواصلة العناد والاعتداد بفلسفتها لتسقط نوكيا تماماً من سوق الهواتف الذكية.

وبينما لا تزال نوكيا موجودة بالطبع، إلا أنها شركة متقلصة بشكل كبير، وسقطت في الوقت الذي اعتبر فيه الخبراء وقتها أنها «أكبر من أن تسقط»، إلا أنه في مجال التكنولوجيا لا يوجد كبير على الفشل، وقرار واحد قد يصعد بالشركات إلى القمة وقد يهبط بها إلى ما تحت الأرض أحياناً.

وبين عامي 2007 و2013، فقدت هذه الشركة الفنلندية الضخمة تقريباً كل شيء بين عشية وضحاها. كانت هناك العديد من المقالات الطويلة التي تناولت الأخطاء العديدة التي ارتكبتها نوكيا، ولكنها تتلخص في بعض الأخطاء الرئيسية.

أولاً، قاومت نوكيا التحول إلى الهواتف التي تعمل باللمس بالكامل. قد يبدو هذا سخيفاً الآن، ولكنه كان اعتراضاً معقولاً في ذلك الوقت. حتى أظهرت أبل الطريق مع الآيفون، لم يكن واضحاً كيف يمكن استخدام مثل هذا الهاتف، بالإضافة إلى فشلها في التنبؤ بالشكل الجديد للهواتف المحمولة، قاومت نوكيا التحول إلى نظام أندرويد، وبدلاً من ذلك حاولت دفع نظام التشغيل الخاص بها. ومع ذلك، أدى ذلك إلى نقص دعم المطورين، ومرة أخرى، لم تتوقع الشركة أن تصبح التطبيقات الخارجية مهمة جداً للعملاء.

لا تزال نوكيا متواجدة، وتصنع هواتف أندرويد جيدة إلى حد ما، ولكنها لم تعد كما كانت، وهي سقطة ربما ناقوس خطر لإنتل التي تمارس الطقوس نفسها وتتجه إلى الهاوية ذاتهابالطريقة نفسها، باعتمادها على تجارب فاشلة وعدم بحثها عن الفكرة أو الابتكار الذي يؤمن لها استمرارية في الأسواق القاسية شديدة المنافسة.

سقطات إنتل

ويقول المحلل التكنولوجي سيدني باتلر: «واجهت إنتل بعض السقطات من قبل، والتي لم يكن وقتها هناك منافسون على القدر الكافي من القوة لزعزعة مكانها، فعندما تبنت إنتل معمارية «Netburst» الفاشلة التي شوهدت آخر مرة في Pentium 4، والتي كانت إحدى أفشل التصميمات في مجال المعالجات، وتسببت في تعطيل العديد من العمليات والأجهزة، مما اضطر إنتل لتخفيض قدرات المعالج لتجنب التوقف المفاجئ والارتفاع المبالغ فيه في درجات الحرارة، الأمر الذي جعل تلك المعالجات تفشل في إتمام عمليات بسيطة وتعطل العديد من الشركات وحتى المستخدمين العاديين، ومن ثم هناك كارثة Itanium المكلفة، حيث حاولت إنتل السير في طريقها الخاص مع معمارية IA-64، على أمل السيطرة على أسواق الخوادم الفائقة وأجهزة الكمبيوتر العملاقة وفشلت فشلاً ذريعاً، وأيضاً، من يمكنه نسيان Larrabee؟ محاولة إنتل الغريبة لبناء وحدة معالجة رسومات من تقنية وحدة المعالجة المركزية الخاصة بها، والتي كان لها المصير نفسه».

ويضيف باتلر: «المخاطرة دائماً مفتاح النجاح، ومخاطرات إنتل ليس فيها مخاطرة واحدة في الاتجاه السليم، الأمر الذي أدى بها للتخوف من أي مخاطرة، أو كما يقولون سارت تمشي إلى جوار الحائط، حتى لا تكرر الأخطاء، وربما ذلك كان الخطأ الأكبر في مسيرة إنتل، والذي يهدد من استمراريتها في حال واصلت السير بالطريقة نفسها».

مقاطعة أبل

إصرار إنتل على عدم تطوير معمارياتها وطرق بناء معالجاتها، جعل عملاق تصنيع أجهزة الكمبيوتر أبل، يتخلى عن تعاونه مع إنتل ويصنع بديلاً لنفسه من رقائق السيليكون مع معماريات «آرم»، الأمر الذي جعل إنتل تفقد أهم عميل لديها، ولا يبقى لها سوى الأجهزة التي تعمل بنظام ويندوز، وهي الأجهزة التي تقترب إنتل أيضاً من فقدانها، بعدما تعاونت مايكروسوفت مع «كوالكوم» لصناعة وتصميم معالجات بمعماريات «آرم»، تلك المعالجات التي لو تطورت ووصلت لقدرات معالجات أبل نفسها، فستفقد إنتل آخر أمل لها في الحواسيب الشخصية.

فمعالجات كوالكوم ومعماريتها ينقصها القدرات، ولكن باستهلاك بطارية أقل وحرارة أقل مما يجعلها أفضل لأجهزة الكمبيوترات المحمولة، ولو استطاعت كوالكوم تطوير تلك المعالجات بقدرات أعلى، فلن يكون هناك داعٍ لشركات تصنيع تلك الكمبيوترات من التعامل مع إنتل ذات الاستهلاك العالي للطاقة، والتي تولد حرارة عالية تدفع الشركات المصنعة لدفع ملايين لتطوير آليات التبريد في تلك الأجهزة.

وبعد أن كانت «إيه إم دي» المنافس الوحيد الذي يسير بعيداً عن إنتل، لم يعد خوف إنتل من ذلك المنافس البعيد، ولكن كوالكوم في طريقها لتكريس عقدة نوكيا عن إنتل وتطعنها الطعنة الأخيرة، التي ستعصف بذلك الكيان الذي ظل مسيطراً على عالم الكمبيوترات الشخصية لسنين طويلة.