قال الدكتور طلال أبو غزالة، مؤسس ورئيس مجموعة طلال أبو غزالة الدولية المتخصصة في المحاسبة والاستشارات الإدارية ونقل التكنولوجيا والتدريب، إن الإمارات نجحت في الانتقال إلى نموذج «الدولة الإبداعية» في العالم وهو الأكثر تطوراً من نموذج الدولة المدنية.

فجميع من فيها يجب أن يكون مبدعاً، وهدف التعليم أن يكون ممثلاً في تأهيل وإعداد المبدعين. وأضاف إن صراع الهيمنة على العالم الآن ليس مالياً أو تجارياً أو سياسياً أو حتى عسكرياً ولكنه تقني، وإن السيطرة ستكون للأكثر تكنولوجياً والأقوى من الناحية التقنية.

وجدد في حواره مع «البيان الاقتصادي» تحذيراته من أن العالم مقبل على أزمة اقتصادية في عام 2020 تعقبها حرب عالمية ثالثة، لافتاً إلى أن استمرار الخلافات التجارية سيؤثر على الولايات المتحدة الأميركية والصين معا ما يزيد تفاقم الأزمة المحتملة.

وأكد أبو غزالة، الذي تغطي مساهماته العديد من المجالات، وخاصةً الأعمال والتعليم والثقافة، أن المنطقة العربية بحاجة لمشروع معرفي شامل للتحول حتى لا يفوتها قطار التقدم حيث لا مكان في المستقبل إلا للدولة المعرفية ولتحقيق هذه النقلة يمثل التعليم المحرك الرئيس.. وإلى تفاصيل الحوار:

أزمة اقتصادية

هناك إجماع بين خبراء الاقتصاد على أن العالم سيشهد ركوداً اقتصادياً خلال عامي 2019 و2020.. ما رأيك؟

العالم يشهد حالياً بوادر لأزمة اقتصادية «طاحنة» ستضرب العالم بحلول 2020، وستكون أقوى وأشد بكثير من تلك التي حدثت في 2008، ستأكل «الأخضر واليابس»، وتؤدي لكساد كبير، وبطالة وارتفاع فاحش للأسعار، فالأزمة اقتصادية، وليست مالية كسابقتها.

وهذا التوقع ليس فقط اجتهاداً أو تنبؤاً من جانبي ولكنه مبني على دراسات وتوقعات الخبراء والاستراتيجيين في الغرب، فالأزمة تتفاعل ببطء ولكن بثبات منذ سنوات، وبالتالي فإن 2019 سنة محورية ومؤثرة في الاقتصاد العالمي.

لا سيما أن الحرب التجارية بدأت تظهر آثارها على الطرفين الرئيسين الولايات المتحدة والصين وكذلك الأطراف الثانوية الفاعلة في حركة التجارة العالمية، وأبرزها الاتحاد الأوروبي، كما أنها تأتي في وقت لم يتوافق في أي مرحلة من التاريخ معاناة كل دول العالم تقريباً من أزمات اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية.

وأعتقد أن الأزمة المحتملة ستبدأ في أميركا وتنتقل بعدها إلى كل اقتصادات العالم، فكما يقال «إذا عطست أميركا، فسوف يصاب العالم بإنفلونزا»، فيما ستستمر تقلباتها في التدرج لتصل أسوأ حالتها في 2020.

وقد يظن البعض أن توقع أزمة هو مجرد هراء، ولكن أميركا ومعها بقية العالم المتقدم متوجهة حثيثاً إلى أزمة هيكلية لأن التركيبة المالية في البلدان المتقدمة خاطئة أصلاً وتتفاقم مع الأزمات المبادِرة جرّاء تحويل الديون الخاصة إلى حكوماتها المركزية ما يضعف قدراتها على توفير الخدمات في التعليم والصحة وتوفير فرص العمل.

الحرب التجارية

كيف ترى تأثيرات الحرب التجارية بين الصين وأميركا، وآثارها الآنية والمحتملة؟

الصراع الآن ليس تجارياً أو مالياً أو سياسياً أو حتى عسكرياً ولكنه - باختصار شديد - صراع تقني ظهرت مؤشراته واضحة مع اعتقال منغ وانزو، مديرة العمليات المالية وابنة مؤسس شركة هواوي الصينية العملاقة للاتصالات في كندا، وذلك لأنها منافس قوي لشركة آبل الأميركية، ما يؤكد أن العالم لا يوجد فيه إلا عملاقان حالياً هما الولايات المتحدة الأميركية والصين وكلاهما عملاقان في التقنية.

فأميركا ليس أمامها غير الصين عدواً في تلك الحرب التجارية التي هي حرب تقنية، وفي رأيي فإن الخلافات التجارية أجهدت الاقتصاد العالمي ومن المؤكد في حال استمرارها ستؤثر على الطرفين على حد السواء. ما يزيد تأزم الوضع إلى حرب تجارية واسعة النطاق ما يقود إلى الأزمة.

وفي رأيي أن الولايات المتحدة ارتكبت أخطاء فادحة مع إنشاء مصنع آبل الأميركية وآخر لبوينج في الصين في ظل قاعدة أعمال رخيصة وعمالة بتكلفة أقل وبيئة استثمارية جيدة، وفي المقابل قامت بكين بتقليد منتجات تلك الشركات الكبرى بل تخطت جودتها وتفوقت عليها بينما فشلت كبريات الشركات الأميركية مثل جوجل وأمازون وموقع إي بي في الصين، التي تعد أكبر سوق للرقميات في العالم، رغم نجاحها في توسيع وجودها دولياً.

الصراع الأعظم

من يحسم الصراع على لقب «القوة الاقتصادية العظمى» في القرن الـ21؟

من سيحكم العالم هو الأكثر تكنولوجياً والأقوى تقنياً، في السابق كان القائد من يملك الصناعة والزراعة وأصبح اليوم من يملك التكنولوجيا هو من يقود، والحرب القادمة تستهدف توزيع مصالح بين الدول الكبرى في الصراع المعرفي الأعظم.

في ظل سيناريو الأزمة المتوقعة ما المرجح لأسعار النفط؟

أتوقع وصول سعر برميل النفط جراء الأزمة إلى 150 دولاراً، وهذا ميزة للدول النفطية المنتجة وعلى رأسها دول الخليج، والعكس في الدول المستوردة.

في رأيك ما الحلول المقترحة لتجاوز تلك الأزمة؟

بدأت الحرب التجارية فعلياً، والحل يكمن في عقد مباحثات بين القوتين العظميين (الصين وأميركا) للاتفاق سوياً يعقبها توقيع اتفاقيات وذلك تحت رعاية مجموعة من شركات التقنية الكبرى «علي بابا» و«هواوي» من الصين و«مايكروسوفت» و«أمازون» من الولايات المتحدة.

قطب واحد

هل أفضل للعالم أن يصبح هناك قطب واحد من دون منافس؟

لم يكن هناك يوم في تاريخ البشرية حضارة ليست مسيطرة على العالم الفرعونية، الإغريقية، الفينيقية، الصينية، إلى أن جاءت مرحلة نادرة في أعقاب الحرب العالمية الثانية لتجمع بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة والتي انتهت بتأسيس منظمة التجارة والبنك وصندوق النقد الدوليين والسيطرة الأميركية، وحالياً هناك الحرب التجارية الدائرة والتي بدأت بالصراع التقني الذي بدأ بفتح أسواق الدول أمام بعضها إلى أن وصلنا إلى العقوبات الحمائية.

وبدأت الحرب تأخذ أثرها حيث إن دول المنطقة والعالم تمر بأزمة، علاوة على أن الديون وهي الكارثة المقبلة، ففي الربع المالي الأول من هذا العام فقط زادت الديون الحكومية والخاصة 8 تريليونات دولار لتصل إلى 247 تريليون دولار، أي ما يوازي 318% من الناتج القومي العالمي.

وكنتيجة محتملة للأزمة الاقتصادية المتوقعة، ستخوض أميركا حرباً عسكرية حقيقية وليس حرباً تجارية أو مالية أو اقتصادية، كونها لن تسمح بانهيار اقتصادها أو تقليص نفوذها وعليه ستتخذ أي إجراء لاسترداد مكانتها وفرض قوتها وهيمنتها، ما يعني أننا نواجه ما قد يؤدي إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة، والسيناريو المتوقع أن تصل الأزمة الاقتصادية إلى أشدها تعقبها حرب عسكرية.

تأثيرات إقليمية

وكيف يمكن للدول العربية الاستعداد لتلك الأزمة؟

دول المنطقة لديها القدرة على النهوض اقتصادياً بعد الكارثة المحتملة الممثلة في الأزمة الاقتصادية والحرب، وذلك كما نهضت أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وأؤكد أن تأثر دول الخليج سيكون محدوداً بما لديها من موازنات تكمن فيها قوة كامنة علاوة على الصناديق السيادية والاحتياطيات الضخمة من النقد الأجنبي ومخزونات النفط والغاز، والازدهار في الخليج هو قوة للدول العربية التي يجب عليها الاستفادة منه.

وأدعو الدول والحكومات والشركات والمؤسسات في المنطقة لضرورة الاستعداد لهذه الأزمة والتصدي لها لا سيما وأن الغرب بدأ بالفعل استعداده وبات قلقاً تجاه الأمر بعد إطلاق العديد من الخبراء والاقتصاديين ومراكز الأبحاث تحذيراتهم بشأن اندلاع الأزمة، لكننا للأسف لا تحركات جدية في المنطقة.

فما المانع من دراسة كل الاحتمالات فلن يكون هناك خسارة على الإطلاق، كما يجب تكوين فريق من الخبراء والمحللين لدراسة تلك التوقعات فمن المحتمل أن يكون ذلك ممكناً، حيث تشمل الدراسة التحديات القادمة لفترة الكساد حتى يمكن استدراك الآثار المحتملة واتخاذ التدابير الوقائية للحماية، أو على الأقل المبادرة للتخفيف من حدة الصدمة بالأزمة.

مشروع معرفي

لا تزال الفجوة بين سوق العمل ومخرجات التعليم واسعة في المنطقة، بل إن الواقع أنها في طريقها لمزيد من الاتساع، ما الحلول؟

المنطقة بحاجة إلى مشروع معرفي شامل للتحول نحو مجتمع معرفي حقيقي في أقرب فرصة ممكنة وحتى لا يفوتها قطار التقدم حيث لا مكان في المستقبل إلا للدولة المعرفية ولتحقيق هذه النقلة يمثل التعليم المحرك الرئيس.

الدولة الإبداعية

وجهت دولة الإمارات استثمارات مهمة للتعليم والابتكار.. كيف ترى تأثيرات ذلك؟

الإمارات من أميز الدول بالمنطقة تقدماً في تلك المجالات، حيث توفر التعليم الرقمي محلياً بالجامعات والمدارس، ونجحت في الانتقال إلى «الدولة الإبداعية» التي تدار بالثقافة الرصينة والمعرفة والإبداع وهذا نموذج أكثر تطوراً من الدولة المدنية، فجميع من فيها يجب أن يكون مبدعاً، وهدف التعليم تأهيل وإعداد المبدعين.

وقبل سنوات قليلة أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، رعاية تلك البيئة التي تهتم بالإبداع والتعليم حيث أشار عبر صفحته الرسمية على «تويتر» إلى أن كل من لم يبدع في دائرته ووزارته سنحتفل به في حفلة وداع له معلناً بذلك مرحلة جديدة من الخدمات والتعاملات الإلكترونية للجمهور مع الجهات الحكومية، وذلك من خلال توفير الخدمات على الهواتف والأجهزة المتحركة للمتعاملين، وبما يتوافق مع رؤية سموه في توفير الخدمات الحكومية وتسهيل وصولها إلى المتعاملين في أي مكان وزمان.

وفي تقديري الإمارات بحاجة لإصدار قرار خاص بشأن التعليم بحيث يكون خريجو المدارس والجامعات مبتكرين وليس متعلمين، وأن يكون هدفها مساعدة الطلاب على الاختراع.

كما خطت الإمارات خطوات متقدمة نحو الثورة الصناعية الرابعة وهي ثورة المعرفة، فالتحول الرقمي عموماً وتكييف التكنولوجيا مع مجتمع الأعمال يساعد على نمو الاستثمارات ورفع الإنتاجية وبالتالي زيادة الناتج المحلي.


انطلاق مجموعة أبوغزالة الدولية في 2019

حول الخطط والمشاريع المستقبلية للمجموعة، قال طلال أبوغزالة: «نحن في 2019 سننتقل من مجموعة أبوغزالة إلى مجموعة دولية تقدم خدمتها لجميع دول العالم، ومن خططها الرئيسة لها إطلاق برنامج «طلاقة»، برنامج تكنولوجي لقياس معرفتك باللغة العربية.

كما قامت بإعداد برامج لتعليم اللغة الإنجليزية بالتعاون مع عدة حكومات منها الصينية، وسننجز خلال العاميين المقبلين برنامجاً محاسبياً للشركات كي يكون سهلاً تدقيق حسابات أي شركة من مكانك في لاجوس أو في أميركا، حيث نفكر دائماً في تقديم برامج للمتعثرين لتواكب الأزمة الاقتصادية المحتمل حدوثها، ولدى المجموعة تطلع نحو التوسع بأوروبا وأميركا والصين التي نمتلك فيها حالياً ستة فروع».

50 اختراعاً

وأضاف: «لدى المجموعة 50 اختراعاً جديداً لم يتم طرحهم إلى الآن تقدر قيمتها بالمليارات من الأموال، منها برنامج «مراقب» نطبقه داخلياً بالمجموعة دون الرجوع للإدارات الداخلية وطلب تقارير مالية وإدارية، ومن تلك الاختراعات إنشاء «سيكلو بيديا» خاصة بلغتنا العربية كي نوفر المعلومة التصحيحية لغوياً وتاريخياً وفي شتى المجالات وسيكون متاحاً للجميع ومجاناً، ولكن لا يحق لأحد إدخال أية معلومة إلا بعد التدقيق والمراقبة، للتأكد من فائدتها وغير ضارة وغير مسيئة، ومن المنتظر أن تشتمل على مليوني قصة عربية في هذا البرنامج بتلك المعايير، ومن المتوقع الإعلان عنها قريباً».

وتابع: مؤخراً تم إنشاء مكتب لمجموعة طلال أبوغزالة في العاصمة الفنزويلية كاراكاس ليضاف إلى أكثر من 110 مكاتب تقدم خدمات المجموعة المهنية والتعليمية في جميع أنحاء العالم بما في ذلك خدمات متعلقة بالملكية الفكرية والاستشارات والتعليم، إضافة إلى خدمات أخرى.

تحديات

لا وجود لمهنة المحاسبة والمراجعة التقليدية في المستقبل

حول التحديات التي تواجه مهنة المحاسبة والمراجعة وإمكانية تطويرها لتواكب المستجدات المتلاحقة، قال طلال أبوغزالة: «في المستقبل القريب لن يكون لمهنة المحاسبة والمراجعة تواجد بمعناه التقليدي، بسبب التطور التكنولوجي الرهيب الحاصل حالياً، حيث إن التعامل سيكون عبر نظام رقمي محكم، وعلى الرغم من ذلك ما زالت المؤسسات والشركات تنظر لمهنة مكاتب المحاسبة على الوضع التقليدي الذي نعرفه جميعاً، وهي تقديم التقارير المالية وحساب الأرباح والخسائر وما إلى ذلك من شؤون معروفة».

وأكد أبوغزالة أن الملكية الفكرية بالعالم العربي عند أعلى مستوياتها مقارنة بدول العالم الكبرى، حيث إن التعديات في هذا المجال داخل الولايات المتحدة الأميركية أكثر من دول المنطقة، وذلك لأن دول المنطقة عندها قواعد أخلاقية جيدة، فنحن ضحية قرصنة المنتجات المقلدة التي تأتي إلى دولنا العربية من تايوان وتايلاند وغيرها.

وأردف قائلاً:«يجب أن نفهم أن قانون حماية البراءات عالمياً يمكنك من إنتاج أي منتج، وذلك بعد عشرين عاماً من غير اسم صاحب الاختراع، وذلك ما نراه في منتجات الأدوية مثلاً بالمنطقة كلها نفس المادة الفاعلة لكن باسم آخر».

تغيير

الاختراع والتحول الرقمي الثروة الحقيقية مستقبلاً

طالب طلال أبوغزالة بإحداث تغيير شامل في الأنظمة والمفاهيم والمبادئ، التي تختزل دور الدولة في تحديد المعايير الكمية وليس النوعية، وضرورة خلق بيئة معرفية وتعليمية متقدمة أولاً مع إتاحة التعليم الرقمي محلياً، وأن يصدر قرار من الدول العربية بأن يكون هناك مبتكرون بالمدارس والجامعات، وعلى دول المنطقة تكوين لجنة حكومية خاصة لدراسة ذلك التحول الرقمي، ومدى التأثر بالأزمة الاقتصادية القادمة ووضع الحلول المناسبة لكل دولة على حدة.

وقال: «الثروة في المستقبل هي في الاختراع والتحول الرقمي، ومجموعة طلال أبوغزالة قررت أن تنشئ أول جامعة في العالم تخرج مخترعين، وذلك في الأردن، وبدأت هذا العام ولدينا 10 طلبات لتأسيس فروع لهذه الجامعة في العالم، التي يمكن وصفها بأنها كلية المتفوقين الإبداعيين، التي تتبع نظام التعلم وليس التعليم، ذلك التعلم الذي يهدف للاختراع والإبداع وليس للحصول على شهادة جامعية، والابتكار يبدأ من المدرسة، وهو يعني أن يكون تفكيرك موجهاً بشكل كامل إلى أن تنتج منتجاً أفضل من الموجود، وأي عمل فيه تطوير أو تحديث مفيد لأي اختراع موجود هو اختراع، وهذا طريق الثروة والمستقبل والتقدم والنمو الاقتصادي».